إقليم كردستان ومأزق الولاية الثالثة

حسين علي الحمداني

TT

من جديد، عادت قضية الديمقراطية في العراق لتناقش، ولكن هذه المرة في إقليم كردستان بعد أن تم تحديد الثامن من سبتمبر (أيلول) المقبل موعدا لإجراء الانتخابات الرئاسية فيه، مع طرح السيد مسعود بارزاني نفسه مرشحا، خلافا لدستور الإقليم الذي حدد الرئاسة بولايتين فقط. وعلى ما يبدو، فإن رئيس الإقليم فشل في إقناع المعارضة بالتمديد له لولاية ثالثة، وهو الذي قاد حملة كبيرة لتحديد ولاية رئيس الوزراء في العراق الاتحادي.

مسعود بارزاني يعد، نظريا وإعلاميا، من أبرز الداعين لمنع نشوء ديكتاتورية في العراق، كان دائما يحذر من ذلك في انتقاده لتفرد الحكومة الاتحادية، وعبر عن مخاوفه من نشوء ديكتاتورية أكثر من مرة. لكننا نجده اليوم يحاول جاهدا أن يحصل على توافقات كردية من أجل الحصول على ولاية ثالثة، رغم تعارض ذلك مع دستور إقليم كردستان الذي وضعه هو بنفسه.

إننا نجد في الأشهر الماضية أن رئيس الإقليم كان يشعر فعلا بأن نهاية الفترة الثانية لولايته، تعني بداية مرحلة جديدة للقوى السياسية الكردية، المعارضة برلمانيا، التي تتطلع إلى أن تأخذ دورها في العمل السياسي الكردي بعيدا عن وصاية الحزبيين الرئيسين بقيادة بارزاني وطالباني. بل لعلنا لا نبالغ إذن في أن الكثير من القوى السياسية الكردية تجد أن مساحات الحرية والديمقراطية في كردستان غدت ضيقة جدا بحكم الهيمنة الواسعة النطاق للحزبيين الرئيسين، وتحول شكل الحكم في الإقليم لحكم العوائل وليس الأحزاب، مع غياب واضح لأي دور للمعارضة الحزبية الكردية.

وعلينا أن نشير هنا إلى أن أطراف المعارضة الكردية («حركة التغيير» و«الاتحاد الإسلامي» و«الجماعة الإسلامية») قد حسمت أمرها برفض التمديد لولاية ثالثة، وهو الأمر الذي يعني، مع تحديد موعد الانتخابات من قبل حزب بارزاني من دون مشاورة الشركاء، أن الأخير حسم أمره في المضي قدما لولاية ثالثة بغض النظر عن الدستور وعن التوافقات. وهو ما يعني أن هنالك أزمة جديدة تلوح في الأفق هذه المرة في كردستان نفسها. ذلك أن قوى المعارضة الكردية تتحين الفرصة لأن تدير شؤون الإقليم بعد أن امتدت شعبيتها كثيرا في الأعوام القليلة الماضية على خلفية الكثير من الأخطاء التي شابت سياسة الإقليم داخليا وإقليميا ومحاولة البعض صناعة أزمات مستديمة من جانب، ومن جانب آخر ملف حقوق الإنسان السيئ جدا في الإقليم الذي طال الكثير من المعارضين.

أيضا، هناك ملفات الهيمنة العائلية على مقدرات وموارد الإقليم التي لا أحد يعرف حساباتها وجداولها، وهو الأمر الذي قد يكون ورقة رابحة بيد المعارضة الكردية.

ولعل بارزاني يراهن على الإرث النضالي له ولعشيرته في مقارعة نظام صدام حسين، ويرتكز على هذا منذ أكثر من 22 سنة في حكم الإقليم. ولكن، علينا القول إن الديمقراطية ووجود دستور يؤطران العمل الديمقراطي، والدستور لا يرتكز على إرث النضال بقدر ما يأخذ مشروعيته من التزام الآخرين به واحترامهم له، وفي مقدمتهم قادة كردستان الذين قارعوا الديكتاتورية ولا يريدون عودتها من جديد.

* كاتب عراقي