الأحزاب الكردية في سوريا.. جدال بلا نهاية

جوان يوسف

TT

بقيت الأحزاب الكردية السياسية التقليدية منذ بداية الثورة وحتى الآن ترى أن المعارضة التي تتبوأ قيادة العمل السياسي في سوريا تتشابه في مواقفها مع النظام السوري من القضايا الأساسية المطروحة، فكلاهما يرفض الحل السياسي والمبادرات الدولية، وكلاهما يسوف البحث في حقوق المكونات الإثنية والدينية، وكلاهما سَجل انتهاكات لحقوق الانسان وإن اختلفت أدواته ونسبته، وكلاهما بات متفقاً أن الصراع أخذ منحاً طائفياً، وكلاهما متفق على عروبة سوريا واسلاميتها من دون الأخذ بعين الاعتبار التنوع الديني والاثني فيها، ومع ذلك، قلما نجد في صفوف الحركة التقليدية الكردية من يوضح الأمر بتفاصيله، ويقدم تصوراً عن سوريا المستقبل وعن تموضع الكرد فيها، فكل حديثهم يدور حول الفيدرالية واللامركزية السياسية، والبعض منهم يطرح الادارة الذاتية من دون تقديم تصور يقنع المواطنين الكرد السوريين قبل الآخرين. إنها رؤية مجبولة من مخاوف قد تكون مشروعة، خاصة أن أحد أقدم القيادات الكردية في الحزب الديمقراطي، صار يتبنى اليوم الفيدرالية مع أنه كان يعتبر قبل الثورة أي حديث عن الإدارة الذاتية تطرفاً، وهو من في المشروع السياسي لهذا التجمع المعارض الذي يبدو الآن متخلفاً جداً عن مشروع ورؤية المعارضة الحالية، وكما أن هناك غيره في حزب الاتحاد الديمقراطي ممن لا تخفي في نصوصها إسلامية وعروبة سوريا، تجنب حتى ذكر مفردة «الكردي» في اسم حزبه.

قد تبدو سياسة الباب الموارب التي تنتهجها القوى التقليدية الكردية أمراً مقبولاً للمواطن الكردي العادي، خاصة إزاء المشاهد المروعة التي تمارسها قوات النظام بحق المدنيين ونشر الخوف والرعب والقتل والتدمير الممنهج للمدن والبلدات السورية التي تحتضن فصائل العمل المسلح، ولعل هذا ما دفع الموقف الشعبي الكردي للتراجع والانكفاء، ليس عن الثورة، وإنما كشكل من أشكال الدفاع الغريزي عن النفس للحفاظ على الذات، ما اضطره للنكوص نحو موقف الأحزاب الكردية التقليدية بعد أن فقدت الكثير من مصداقيتها في سنوات ما قبل الثورة لفشلها في تحقيق أي مطلب شعبي أو برنامجي كإعادة الجنسية السورية للمواطنين الكرد، الذين جردوا منها بفعل الاحصاء الاستثنائي وإلغاء الحزام العربي أو ما يسمى بـ«قضية العرب المغمورين» وإلغاء القوانين الاستثنائية المطبقة بحق الكرد السوريين والاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية في البلاد، وهذا النكوص على المستوى الشعبي هو ما عزز موقف هذه الأحزاب ودفعها من جديد إلى واجهة العمل السياسي الكردي، في حين أنها بقيت تراوح مكانها في عقليتها وممارستها السياسية.

وبطبيعة الحال أعادت الثورة، الجنسية السورية إلى الكرد وألغيت بعض القوانين الاستثنائية كالمرسوم 49، وسميت القامشلي كمحافظة، وربما سيضطر النظام تحت ضغط ضربات الثوار إلى تقديم تنازلات أخرى بقصد الاستمرار في تحييد الكرد.

أما شعار حل القضية الكردية حلاً ديمقراطياً عادلاً فبقي شعاراً ممجوجاً يخلو من التفصيلات والمعاني السياسية على مدى ستة عقود من تأسيس أول حزب كردي وحتى الآن، وهو ما أفقد الخطاب السياسي الكردي التقليدي مصداقيته وأدخل المجتمع في نقاشات سفسطائية وتجاذبات حزبية لا تخرج عن جدل «البيضة والدجاجة» وظلت تدور في فلك السؤال المكرر ذاته: هل الديمقراطية هي المدخل لحل القضية الكردية، أم إحقاق الحقوق الكردية هو المدخل لحل القضية الديمقراطية؟

عوداً على بدء، هل اعتراف المعارضة بالإدارة الذاتية هو المدخل إلى سوريا الديمقراطية أم سقوط النظام السوري وعودة الحياة السياسية الى المجتمع هو المدخل لحل قضية الكرد في سوريا؟

ورغم الغموض الذي يكتنف مستقبل سوريا والاحتمالات التي سترافق عملية التغيير في السنوات القادمة، فإنه من المؤكد أن ما هو آت لن يشبه قطعا ما قد مضى من عهود الاستبداد.

* كاتب وإعلامي سوري