الخوف على الوحدة اليمنية

لطفي فؤاد أحمد نعمان

TT

الاحتفاء بذكرى الوحدة اليمنية يدلف بالمحتفين إلى استذكار خاطف لمسارها منذ إعادة توحيد شطري اليمن في الثاني والعشرين من مايو (أيار) 1990، ثم الصراع بين موحديها صيف 1994، قبل الانفراد في إدارة اليمن الموحد، حتى اندفعت مؤخرا تيارات مشدودة إلى ماضي الانفصال لتمثل تحديا ضمن ما يحف مسار الوحدة من تحديات أخطرها: الخوف على الوحدة.. والقلق من إمكانية عدم استمرارها.

لم تك الوحدة في عوز وحاجة لاطمئنان مصطنع إلى عدم إمكانية المساس بها، كما لا يعززها الخوف عليها من دون مبرر، أو الخوف عليها دونما استعداد لتبديد تلك المخاوف. وما لم تقنع الوقائع أحدا، ربما تصح نبوءة الشاعر الشيخ محمد أحمد منصور: «إن خوفي عليها من أحبتها.. أشد خوفا عليها من أعاديها».

وبغض الطرف عما اقترفه بعض «أحبتها» بدافع الحرص عليها في الماضي، فإن الأبصار شاخصة على الحاضر المشحون بما يسكن «أحبتها» الجدد من مخاوف لم يبذلوا جهدا تجاه حمايتها بشكل يجدد ولا يبدد حياة اليمنيين، باعتبار «الوحدة حياة اليمنيين».

ففي الوقت الذي يتداعى فيه المجتمعان الإقليمي والدولي إلى الحرص على وحدة اليمن، تجد المجتمع المحلي غير مبالٍ بما يتربص بالوحدة من توجهات ماضوية وارتحال «مقلوب!» من مربعات الأممية والوحدوية إلى مربعات القروية والمناطقية والجهوية الشطرية، مما يجسد إخفاقا داخليا في استثمار هذا التداعي والحرص الخارجي غير المسبوق! بل ويزيد المعنيين بالشأن الوحدوي اليمني «خوفا عليها» رد الفعل والقول السلبي في مناطق عديدة من اليمن إزاء الفعل والقول السلبي الداعي إلى الانشطار والانسلاخ عن الوحدة، وليس يعني رد الفعل والقول السلبي إلا تقبل تلك الدعوات «ما دام يحل المعضلة تطبيقها».. أو من باب النزق..! إن شيوع هذا الرد السلبي قولا وفعلا راجع في أساسه إلى تفشي «فقر الوعي» في أوساط أجيال جديدة لم تواكب النضال اليمني في سبيل الوحدة (وحتى دور وخطابات وحماسة بعض المتراجعين عنها!)، ولا تدرك أبعاد الحلول أو المقادير الجاهزة «للطبخة اليمنية غير الجاهزة بعد!»، وصارت بمثابة أكبر تحد لوحدة اليمن وأدق كاشف للعجز عن مواجهة تلك الدعوات بإجراءات ناجعة لا تقمع إنما تُقنع بعدم سلامة منطق التراجع والانفصال، وتشير إلى صوابية اجتماع الجميع على تسليم جانب الوحدة اليمنية من التراجع أو الانفصال، وذلك عبر حل المسائل الحقوقية بعدالة ونزاهة، وتأمين القوم من شر الظلم. لقد فتحت «القضية الجنوبية اليمنية» أو المشاكل والمظالم في الجنوب اليمني - جراء تعليق حلها للأسف - باباً للدعوة إلى فك الارتباط، من دون أن يقابلها اتجاه جاد إلى «تعزيز الارتباط الوطني».. إذ نحا التعامل السياسي مع تلك المسائل منحى التهوين مما هوّل حجم المشاكل وضيّق آفاق التعاطي المسؤول معها. وعلى الرغم من الاعتذار العملي والاستجابة لمقترحات تهيئة أجواء الحوار من خلال قرارات رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي تشكيل لجان خاصة لمعالجة عدد من القضايا في مناطق الجنوب اليمني، فإنها تواجه «عملية إحباط منهجي» من خلال المبالغة المقصودة في حجم القضايا وأحيانا تعقيد المظلوميات هناك.

مع كل ذلك أيضا يتسع مجال الخوف والخشية على وحدة اليمن بتنصل أهم الأطراف المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل مما نشأ من القضايا ونشب من المشاكل اليمنية الكثيرة التي كان أخطرها الجنوب اليمني وآخرها صعدة وتهامة وغيرهما، وكذا انفراط عقد المتحاورين بانسحاب غير مؤثر كثيرا على المدى المنظور! وثمة خشية من أن «الأحبة» الوحدويين (حاليا وسابقا!) بسلبيتهم وترددهم وإحباطهم وتنصلهم من المسؤولية يواتون للانفصال فرصة تاريخية كتلك التي واتت لإعادة الوحدة اليمنية قبل 23 سنة.. يوم أدركوا أن يمنا واحدا في مصلحة الجميع ويحرص عليه الجميع خير من «يمنات» ليست فيها مصلحة لأحد ولن يحرص عليها أحد!

* صحافي يمني