التسامح والتصالح.. ضرورة لتحقيق الأمن القومي العربي

صفات سلامة

TT

التسامح والتصالح، من بين القيم الإنسانية الأصيلة والنبيلة والعظيمة التي قدمتها الحضارة العربية الإسلامية للعالم أجمع على اختلاف لغته وثقافته ودينه وجنسه. ولا شك في أن التحديات الكثيرة المتسارعة والمتزايدة التي تمر بها أمتنا العربية، وتهدد أمنها واستقرارها، وتستهدف النيل من مكتسباتها التنموية، تتطلب ضرورة ترسيخ وتفعيل وتطوير مفاهيم مثل العمل العربي المشترك، والأمن العربي المشترك، والمصير والمستقبل العربي المشترك، وغيرها، وبما يحقق مصالح وطموحات وآمال أبناء الأمة العربية، بعيدا عن أي تدخلات وحلول خارجية، وخاصة في ظل التحديات والتطورات والتغيرات الدولية والإقليمية التي يشهدها العالم أجمع ومناطق مختلفة من عالمنا العربي، والتي تتطلب وحدة الصف والكلمة وتضافر الجهود للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة العربية.

لقد أثبتت تجارب التاريخ أن الأمم والشعوب العظيمة هي التي تدرك جيدا أن قوتها في وحدتها واتحادها وانصهار جميع أبناء شعوبها بكل الأديان والمذاهب والثقافات في بوتقة واحدة، وأن الفرقة والخلاف والتنازع هو الطريق للسقوط. لهذا، فإن من مصلحة الشعوب العربية أن تتصالح مع النفس أولا، وتدرك أن قوتها في وحدتها وتبتعد عن كل أنواع النزاعات والخلافات وما يجري من خلافات عرقية وطائفية، وخاصة أن جميع الأديان قد جاءت بالكثير من المبادئ والقيم الإنسانية الخيرة وأكدت أهميتها وأثرها في صلاح الأفراد والمجتمعات والأمم، مثل الوحدة والتآخي والتعايش ونبذ العنف والفرقة والخلاف والحقد والكراهية والبغضاء.

ويعد التسامح والتصالح العربي مقدمة ودعامة أساسية نحو تحقيق الأمن القومي العربي، لمواجهة التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية التي يتعرض لها عالمنا العربي في الكثير من المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية والثقافية والإعلامية.

والتصالح أو المصالحة العربية، يجب أن تكون مبنية على أساس من قناعة تامة بالتعامل مع منابع وجذور القضايا والمشكلات والخلافات العربية القائمة، وليس التهدئة والتسوية التي قد تكون مؤقتة ويمكن أن تعيد الصراعات والمشكلات من جديد، وكذلك الإدراك الحقيقي لطبيعة المصالح العربية ومدى تشابكها وتعقيدها، والاعتراف بالحاجات والمصالح الأساسية والمختلفة للدول العربية بوصفها كيانا واحدا متكاملا، وتقدير الخلافات والمشكلات القائمة بين بعض الدول العربية والتوصل لصيغة مناسبة للتوفيق بينها. فالتسامح والتصالح بين كافة أبناء الوطن الواحد والأوطان العربية ونبذ الفرقة والخلافات وتغليب المصالح القومية الحقيقية العليا للوطن والأوطان العربية على المصالح الشخصية الضيقة، والتوافق على كل ما يمكن أن يسهم في بناء ونهضة الوطن - أصبحت من القضايا الأساسية لتعزيز وحدة وأمن واستقرار الدول العربية. وفي الظروف الحالية التي تمر بها أمتنا العربية، أصبح هناك ضرورة ملحة لتضافر جهود العلماء والباحثين والمفكرين والكتاب ودعوتهم لتعزيز التلاحم وتعميق روح المحبة والألفة وغرس ونشر ثقافة وخلق التسامح والتصالح والاتحاد والمحبة والإخاء والتفاهم المشترك بين أبناء الوطن العربي، وتجاوز أي انقسامات أو خلافات تضر بالوحدة الوطنية، وتغليب مصالح العباد والبلاد علي المصالح الشخصية، بدلا من الفرقة والنزاع والشقاق والخلاف، الأمر الذي يشكل دعامات وأساسات وعلاقات متينة وقوية بين أفراد أمتنا العربية. ومن المهم هنا أن نشير إلى أهمية دور وسائل إعلامنا العربي في غرس ثقافة وقيم وأخلاقيات التسامح والتصالح والحوار، بدلا من القضايا والموضوعات التي تتسبب في إثارة الرأي العام وتأجيج الفتنة والفرقة والخلاف بين أبناء الأمة العربية.

تحكيم العقل والمنطق والحوار والعودة إلى طاولة الحوار والمفاوضات، والتسامح والتصالح الوطني، ودفن الماضي بكل ما فيه من مآس وآلام، ونبذ الحقد والكراهية والانتقام من الآخرين، وفتح صفحة جديدة ناصعة البياض - أصبحت أمورا ومقدمات ضرورية وأرضية أساسية لتحقيق الأمن القومي العربي والحفاظ على المصالح القومية العليا، وحل قضايانا وأزماتنا وتضميد جروحنا وتخفيف وتسكين آلامنا، لمواجهة الصعاب والتحديات والمتغيرات المتسارعة، وتحقيق أهداف ومصالح وآمال أمتنا العربية، بعيدا عن أي تدخلات أو مصالح خارجية.

التسامح والمصالحة الوطنية والعربية، بإرادة ذاتية مستقلة ووفق نظم وأسس وضوابط واضحة المعالم، هي نقطة البداية الحقيقية والضرورية لسلامة وقوة وعزة ورخاء وأمن واستقرار أوطاننا العربية، حرصا على حاضر ومستقبل أمتنا والأجيال القادمة.