دور علم النفس في مكافحة التطرف والإرهاب

خليل أبو قورة

TT

الحادث الإرهابي الدموي الذي وقع مؤخرا في لندن وراح ضحيته جندي بريطاني على يد رجلين متطرفين، وكذلك الأحداث الإرهابية الأخرى التي وقعت في عدد من دول ومناطق العالم، تشير جميعها إلى أن التطرف والإرهاب ظاهرة عالمية، وليس له دين أو وطن، وهذه الأحداث يجب أن تفتح الباب واسعا لمناقشات متعددة ومتداخلة التخصصات لاستكشاف مدى ومظاهر وأسباب التطرف والإرهاب والعنف والتعصب والكراهية، واقتراح أساليب العلاج الفعالة على مستوى الفرد والمجتمع.

وعلى الرغم من أن العلوم النفسية من بين التخصصات ذات الأهمية في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، فإنها تلقى اهتماما قليلا نسبيا في هذا المجال.

في البداية، يمكن القول إن التطرف حالة نفسية مرضية تصيب الفرد أو الجماعة. وأصحاب الفكر المتطرف والسلوك التدميري لديهم توجهات وقناعات فكرية معينة لا يرغبون في التخلي والتنازل عنها ومناقشتها مع الآخرين، كما أن الفكر المتطرف نتاج خلل في وسائط التنشئة الاجتماعية، وقد يساعد في نشوء التطرف والإرهاب تزايد فوضى الثقافة والفتاوى في المجتمع وفوضى الخطاب الديني، خاصة خطب بعض الوعاظ التي تحتوي على أفكار تدعو وتحرض على رفض وكراهية الآخر، كما أن التطرف العنيف قد يكون له دلالات سياسية.

والسؤال المهم المطروح هو: كيف يمكن لعلم النفس أن يسهم في المساعدة في تحسين فهمنا للتطرف والإرهاب وغيره من سلوكيات عنيفة وتدميرية، وكذلك في منعه ومكافحته مبكرا؟

يمكن القول إن دراسة سلوكيات ومعتقدات وبيئات الأفراد المتطرفين والإرهابيين والإجراميين، يمكن أن تفيدنا مستقبلا في منع ومكافحة التطرف والإرهاب. فأشكال السلوك التدميري للآخرين وللذات تكون متجذرة في شعور الفرد بالانقطاع عن العالم المحيط به، فعدم قدرة الفرد على التوافق والتكيف النفسي والاجتماعي والشعور بالاغتراب السلبي والعزلة، ومعاناته من مشكلات واضطرابات في العلاقات مع الآخرين، قد يدفعه ذلك إلى القيام بسلوكيات متناقضة ومؤلمة، من بينها العنف والسلوك التدميري تجاه الذات أو تجاه الآخرين، كما أن دراسة العلاقات العرقية والمعتقدات الخاطئة نحو المهاجرين والهجرة يمكن أن تكون من بين العوامل المنبئة بسلوكيات العنف والتدمير في المجتمع، فالأشخاص الذين يواجهون مشكلات في علاقتهم مع الآخرين وفهمهم أو صعوبات في اندماجهم في المجتمعات الغربية، يمكن أن يولد ذلك لديهم اضطرابات نفسية تؤدي إلى مآسٍ كثيرة.

أصحاب السلوكيات العنيفة والتدميرية والهدامة، لديهم آيديولوجيات وأفكار واحدة جاهزة من دون تمحيص وتحقيق، تخدمهم وتشجعهم على تنفيذ أعمالهم المتطرفة والتدميرية، إذ يقومون بتصميم وتخطيط وتنفيذ هجماتهم من دون حساب لعواقب ذلك، وفي حالة من الهدوء القاتل الذي يتميز بجمود التفكير وأحاديته، أي في اتجاه واحد، الأمر الذي يجعلهم في حاجة إلى علاج سلوكي معرفي (Cognitive Behavioral Therapy) لمواجهة وتغيير الأفكار والمكونات المعرفية والقناعات والمعتقدات والتصورات السلبية الخاطئة لدى هؤلاء الأفراد، التي قادتهم لأعمالهم وتصرفاتهم العنيفة، واستبدال أفكار ومعتقدات صحيحة عقلانية وواقعية بها.

وقد تبدو سلوكيات الأفراد المتطرفين والإرهابيين ظاهريا طبيعية لأفراد الأسرة والأصدقاء المحيطين، ولكن هؤلاء الأفراد داخليا يجهزون ويخططون لارتكاب مهمات وأعمال عنيفة وتدميرية، ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن الكشف عنها مسبقا، فهؤلاء الأشخاص قد تظهر عليهم علامات وإشارات سلوكية منبئة بالتطرف والعنف يمكن رصدها مبكرا عن كثب، كما أن هناك عوامل وعناصر مساعدة للتطرف، مثل الدعاة المتشددين أو المواقع الإلكترونية المتشددة التي تغذي التطرف والعنف.

وأخيرا.. يمكن القول إن جهود مكافحة التطرف والإرهاب والسلوكيات المضادة للمجتمع، تتطلب استراتيجيات طويلة المدى، تكمن في تكامل جميع أنساق المجتمع لوضع أسس الوقاية النفسية والفكرية، بحيث تؤدي في النهاية إلى أن يصبح لدى الأفراد دوافع داخلية تمنعهم من ممارسة السلوكيات التدميرية والعنيفة بالمجتمع، من خلال توفير أساليب الحماية الداخلية ضد الأفكار والمعتقدات والاتجاهات الخاطئة الهدامة والتدميرية، التي تقوض من حالاتهم النفسية وتجعلهم مرتعا خصبا لهذه الأفكار، الأمر الذي يجعلهم يتأثرون نفسيا بما يطرح أمامهم من أفكار خاطئة وتدميرية تقودهم للعنف والتطرف والإرهاب، ومن الضروري أيضا تنقية المناهج الدراسية من الشوائب السلبية التي تشوه صورة الآخر وتشجع على كراهيته وتعمل على تكريس سوء الفهم بين العالم الإسلامي والغرب. التطرف والإرهاب يحتاج في تعامل المجتمع معه إلى استحداث آليات غير تقليدية.

* كاتب وباحث مصري متخصص في علم النفس