العيد الخمسيني للاتحاد الأفريقي.. فرصة السلام الشامل في السودان

سالم أحمد سالم

TT

في أديس أبابا، انضم إلى زعماء الدول الأفريقية، أخيرا، كوكبة من كبار الشخصيات من ضمنها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، للاحتفال بمرور 50 عاما على الوحدة الأفريقية، وعشر سنوات على الاتحاد الأفريقي. وهي لحظة احتفاء بمجد القارة وما حققه التعاون من إنجازات وتقدم، تشهد عليهما اتفاقيات تاريخية أنهت نزاعات في القارة، ومبادرات ومؤسسات استهدفت ضمان السلام والأمن للشعوب الأفريقية. وعلى الرغم من ذلك فما زال أمامنا الكثير والكثير.

بالنسبة لي، أحد أكثر ما يهمني هو الوضع في السودان، الذي ما زال النزاع فيه دائرا، وحياة الآلاف من سكانه ما زالت منكوبة جراء العنف. فالسودان الآن على مفترق طرق، ويقيني أن تحرك الزعماء الأفارقة وتحليهم بالجرأة والتصميم وتوحيد الجهود ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى في تاريخ الاتحاد الأفريقي، حتى يدعموا عملية سياسية شاملة تعالج جذور النزاعات التي يشهدها السودان ومعاناة السودانيين، وهو ما يتطلب التحرك على عدة جبهات.

لقد عملت اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الأفريقي على مدار السنوات الأربع الماضية، على الحفاظ على السلام بين السودان وجنوب السودان أثناء تفاوضهما على الانفصال، في أعقاب نحو عقدين من الحرب الأهلية. وقد نجحت اللجنة، بقيادة رئيس جنوب أفريقيا السابق، ثابو مبيكي، في مساعدة أعداء الأمس على إبرام اتفاقيات حول مجموعة واسعة من القضايا، من مصادر النفط إلى المواطنة والتجارة الحدودية. ويتمثل التحدي الذي يواجهه الاتحاد الأفريقي الآن في الإشراف على تنفيذ تلك الاتفاقيات. كذلك توسطت اللجنة لحل تنازع السودان وجنوب السودان بشأن الأحقية في السيادة على منطقة أبيي الواقعة على حدودهما المشتركة. وقد تصاعدت تلك المشكلة خلال الأسابيع القليلة الماضية في أعقاب مقتل زعيم قبيلة «نجوك دنكا» على يد أحد أبناء القبيلة المنافسة، «المسيرية». ولكن، جاء التحرك السريع والحاسم من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، د. دلاميني - زوما، ومجلس السلم والأمن بالاتحاد، ليطمئننا على أن الزعماء الأفارقة سوف يتحركون إذا ما أوشكت نقاط التوتر الساخنة على الوصول إلى نقطة الانفجار. وإنه لمن الأهمية بمكان أن يستمر ذلك التوجه في إطار مقاربة شاملة للسلام في السودان.

وتعمل اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الأفريقي، أيضا، على التوصل لإنهاء العنف والأزمة الإنسانية التي اجتاحت ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق السودانيتين الحدوديتين لما يقرب من سنتين. فقد تسببت تلك الأزمة في لجوء نحو 200 ألف سوداني، معظمهم من النساء والأطفال إلى جنوب السودان وإثيوبيا كما يتم تداول أنباء تفيد ببقاء 700 ألف آخرين داخل المنطقة وقد تقطعت بهم سبل الحصول على المساعدات الإنسانية الدولية. وتبدت الآن دلائل على امتداد هذا النزاع إلى شمال كردفان، واجتذابه لجماعات متمردة مسلحة من دارفور. وهو ما دفع الحكومة السودانية إلى تحذير المجموعات المسلحة المنتمية إلى الجبهة الثورية السودانية من مواجهة «عواقب وخيمة» إذا ما جرأت وهاجمت الخرطوم، وأعلنت كذلك عن تشكيل «كتيبة استراتيجية» للدفاع عن العاصمة. لذلك فالحاجة عاجلة وماسة لوقف تلك التحركات العدائية وتأمين نفاذ الخدمات الإنسانية.

وفي دارفور، وبعد مرور عشر سنوات على اندلاع النزاع، ما زال أكثر من مليون شخص يعيشون في مخيمات يفترض أنها «مؤقتة»، وها هما العنف والمعاناة الإنسانية يتصاعدان مرة أخرى بشكل مأساوي. وقد ذكرت الأمم المتحدة أن القتال في شرق دارفور وجنوبها ووسطها دفع نحو 100 ألف آخرين إلى النزوح في غضون ستة أسابيع فقط، وحتى 5 مايو (أيار). تذكرني تلك الأرقام بما شاهدته في دارفور عندما كنت مبعوثا خاصا للاتحاد الأفريقي إليها في 2007، عندما كان النزاع في أوجه. إن لحظات الاحتفال والتأمل هذه إنما تمثل فرصة للزعماء الأفارقة، لا ليتركوا علامة في التاريخ فقط، بل وليصنعوا هذا التاريخ، بإنهاء عدم الاستقرار والانقسام المزمنين في السودان. وهو ما يتطلب منا أن نكف عن التعامل مع كل نزاع في السودان بمعزل عن النزاعات الأخرى في هذا البلد، ونبدأ في معالجة الأسباب الجذرية للعنف. وفي هذا الإطار يجب أن نعمل بنصيحة اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الأفريقي، التي رأت أن العملية السياسية الوطنية التي تشمل الجميع هي السبيل الأمثل لحل المظالم التي طال أمدها والتي تغذي عدم الاستقرار في السودان، وهو ما يحتاج إلى تشجيع ودعم لا يتزعزعان من أفريقيا. علينا أن نحرص على ألا تكون عمليات السلام مجالا مقتصرا على الأطراف المتحاربة، بل ينبغي أن ندعو إليها كل من يستطيع لعب دور للتوصل إلى نتائج ناجحة للمفاوضات.

تلك دروس قاسية، ولكنها مفتاح حل المشكلات الأفريقية. وعلى زعمائنا أن يتحلوا بالجرأة حتى يتحقق ذلك، وهو ممكن بل ويجب أن يتحقق. فبذلك سيستطيع الاتحاد الأفريقي في احتفائه بمرور سنة أخرى على إنشائه أن يحتفي أيضا بالسلام الدائم والمصالحة في السودان.

* رئيس الوزراء التنزاني الأسبق، والسكرتير العام السادس لمنظمة الوحدة الأفريقية ومبعوث الاتحاد الأفريقي الخاص لنزاع دارفور بين 2005 و2008