الخيال الاجتماعي.. وتغيير المجتمعات

صفات سلامة

TT

للمشاريع الاجتماعية الرائدة والمتميزة دور مهم في نهضة وتنمية الأفراد والمجتمعات والعالم. وقد أثبت أصحاب هذه المشاريع الرائدة أن لديهم القدرة على العمل بفاعلية في ظل ظروف صعبة ومعقدة، ولكن عدد هؤلاء ما زال قليلا، وتأثيرهم وأداؤهم المتميز في حاجة ملحة للازدياد. وقد ترجع قلة أصحاب المشاريع الاجتماعية الرائدة إلى عدم وجود الفرص والحوافز اللازمة والمناسبة لبداية مشاريعهم، وكذلك للقيود والصعوبات المفروضة على حصولهم على الائتمان والمساعدات الفنية اللازمة، ففي عدد من دول العالم، وخصوصا في بعض دول منطقة الشرق الأوسط، لا تزال اللوائح والقوانين الموضوعة التي تحكم الأعمال والمشاريع الاجتماعية والتجارية والاقتصادية مقيدة للنمو إلى حد ما، الأمر الذي يفقدها مكاسب تنموية محتملة في مجال الإبداع والابتكار والفرص الاقتصادية وتوليد الدخل.

وأخيرا، خلال الفترة من 10 - 12 أبريل (نيسان) الماضي، عقد في أكسفورد بالمملكة المتحدة، منتدى «سكول» العالمي للريادة الاجتماعية (Skoll World Forum)، وقد جمع المنتدى أكثر من ألف شخص من أبرز صناع التغيير والتطوير في العالم، وكان من بينهم الخبير الاقتصادي والاجتماعي البنغلاديشي العالمي الشهير محمد يونس، الحائز جائزة نوبل للسلام لعام 2006، مناصفة مع بنكه «غرامين بنك» (Grameen Bank) الذي أسسه عام 1983، وذلك لجهودهما في مكافحة الفقر في العالم وتقديم قروض صغيرة للفقراء، وخصوصا النساء لتمكينهن من إدارة مشروعات أعمال صغيرة، ومن دون اشتراط ضمانات مالية، وهو ما أكسبه لقب «بنك الفقراء»، وقد أرسى بذلك نظاما جديدا للقروض المتناهية الصغر المعروفة باسم (microcredit)، واسم البنك «غرامين» (grameen)، مشتق من الكلمة «غرام» (gram) وتعني ريف أو قرية (rural or village) في اللغة البنغالية، ويعني «بنك القرية».

وخلال منتدى «سكول» العالمي، قال الخبير الاقتصادي محمد يونس، أثناء تسلمه لجائزة الإنجاز الحياتي، إن «لدينا الخيال العلمي» (science fiction) والعلوم تتعقبه وتتبعه، نحن نتصور الخيال العلمي ويأتي صحيحا، إلا أننا لا نملك «الخيال الاجتماعي» (social fiction)، لذلك لا شيء يتغير».

والخيال الاجتماعي هو نوع فرعي من الخيال العلمي، ويعني أقل بالتكنولوجيا وأكثر بالتأملات السوسيولوجية لأحوال المجتمعات البشرية والنظر إلى العالم الاجتماعي برؤى جديدة.

يرى الرائد الاجتماعي البارز محمد يونس في مقولته بأنه ليس لدينا الخيال الاجتماعي، لذلك لا يتحرك المجتمع بنفس القدر في تحركه نحو الخيال العلمي. ففي كل يوم نرى أن ما كان مستحيلا أصبح ممكنا وروتينيا، فعلى سبيل المثال، أجهزة الاتصالات الشخصية وآلات النسخ ثلاثية الأبعاد والطائرات المقاتلة من دون طيار، وغيرها من منجزات علمية وتكنولوجية قد أصبحت حقائق واقعة.

والسؤال المطروح: لماذا يصعب تحقيق التغير الاجتماعي، بالمقارنة بالتغير العلمي والتكنولوجي؟

يقول يونس إن أحد أسباب ذلك أن هناك رؤى اجتماعية متاحة أقل لما سيبدو عليه المستقبل الأفضل. ويضيف يونس أنه من الممكن إنتاج مزيد من الأفلام ومسلسلات التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى لمساعدة الأفراد على تصور مستقبل أفضل للمجتمعات والعالم. فالأفراد يحبون ويفضلون دائما متابعة الخيال العلمي، ونظرة على شعبية برامج تلفزيونية شهيرة مثل «ستار تريك»، تدلنا على قيمتها وأهميتها وكيف أنها قد ألهمت كثيرا من الأفراد والعلماء، فالعلم يتبع دائما الخيال العلمي. لذلك فإنني أشجع الأفراد على كتابة رواية الخيال الاجتماعي، حتى يمكن تغيير المجتمعات والعالم، كما أن حث الأفراد على التخيل والتصور واقتراح الأفكار مهما كانت صغيرة، سوف يؤدي إلى تحسين وتطوير المجتمعات وتغييرها.

ومن بين أمثلة المشاريع الاجتماعية الرائدة في استخدام الخيال الاجتماعي لتغيير المجتمعات، فكرة ابتكار نظام القروض الصغيرة من دون ضمان، للخبير الاقتصادي محمد يونس، والذي جاء بالصدفة وأسهم في تنمية الأفراد والمجتمعات وجهود محاربة الفقر حول العالم، وكذلك «أكاديمية خان» التي أسسها ويرأسها سلمان خان، وهي مؤسسة تربوية عالمية على الإنترنت غير هادفة للربح، فقد تمكن الرائد الاجتماعي البارز عالميا سلمان خان من إعداد الآلاف من محاضرات الفيديو للطلاب في مواضيع مختلفة من الرياضيات والعلوم والتاريخ وغيرها، ووضعت على شبكة الإنترنت بالمجان، واليوم مع إمكانية الوصول للإنترنت تستخدم هذه المحاضرات من جميع الأفراد حول العالم، كما تترجم إلى عشرات اللغات، فقد أدرك خان أنه نتيجة للتحولات المجتمعية، أصبح هناك طلب متزايد على التعليم العالي الجودة، فقام بإعداد هذه المحاضرات المتميزة لتسهم في جهود خدمة التعليم عن بعد والحصول على تعليم عالي الجودة.

والحقيقة أنه يمكن القول بالفعل إن التغير والتحول العلمي والتكنولوجي المتسارع عالميا، لم يقابله تغير اجتماعي مماثل، فمعدلات الفقر والجوع والبطالة في العالم في ازدياد، كما أن التغير التكنولوجي ليس له دائما جوانب إيجابية، فقد يؤدي إلى اختلالات اجتماعية شديدة العمق والتأثير، ففي الوقت الحالي ونتيجة للتغير التكنولوجي المتسارع، أصبح الكثير من العمال عاجزين عن التكيف مع التغيير، وبدأوا يفقدون وظائفهم على مستوى العالم، فعلى سبيل المثال هناك حاليا مخاوف متزايدة من تزايد استخدام الروبوتات في مجال الصناعة، الأمر الذي يؤدي لتزايد البطالة نتيجة للاستغناء عن الكثير من العمال في المصانع، الأمر الذي قد يؤدي لخلل مجتمعي عميق الأثر.

الكثير من المشاريع الاجتماعية العظيمة تأتي من لحظات تخيل وإلهام، وليس من خطط عمل دقيقة، فلنبدأ بالخيال الاجتماعي لتغيير المجتمعات والعالم.