تناقضات الديمقراطية التركية

محمد صادق جراد

TT

هل تواجه تركيا ربيعا مماثلا لربيع العرب.. أم أن المعارضة التركية قد استثمرت أجواء الاحتجاجات لصالحها لا سيما أن تعامل الحكومة التركية مع مظاهرة سلمية صغيرة لم يختلف عن تعامل الحكومات الديكتاتورية في دول ما يسمى بالربيع العربي مع المتظاهرين، الأمر الذي جعلنا نشهد وقوع قتلى وجرحى واستعمال وسائل العنف المختلفة من قبل القوات الأمنية التركية؟

مع اختلاف الأسباب والدوافع فإن ما حدث يعد ضربة للمدنية التركية التي سعى حزب العدالة والتنمية إلى رسمها خلال الفترة الماضية، وإن الاحتجاجات السلمية قد تطورت وتحولت إلى احتجاجات عارمة توسعت من مظاهرة بيئية تدعو لحماية حديقة صغيرة، إلى احتجاجات اجتاحت عددا من المحافظات التركية الكبيرة، ليكون أردوغان في موقف ضعيف ومحرج بعد أن تعامل بقوة وعنف مفرط مع المتظاهرين، متناسيا نصائحه المثالية لزعماء العرب بالتعامل السلمي وضرورة الاستجابة للمطالب الشعبية.

من هنا يواجه أردوغان أصعب امتحان له منذ تسلم حزبه للسلطة في تركيا، بعد تزايد الغضب الشعبي واتهامه بالديكتاتورية والتسلط وفرض آرائه ومشاريعه على الآخرين بالقوة.

أردوغان بدا مرتبكا في مواجهة الموقف، فتصاعد وتيرة الاحتجاجات وارتفاع أعداد الجرحى والمصابين بالغازات والإدانة الدولية جعلت مواقف أردوغان متضاربة، فبعد أن اتهم المتظاهرين بالتطرف في البداية تراجع عن موقفه واتهم القوات الأمنية باستخدام العنف، وطالب بالتحقيق.. وبعد أن عبّر في بداية الأزمة عن إصراره على تنفيذ المشروع وبقاء قوات الأمن في ساحة تقسيم، تراجع وأمر بإخلاء الساحة وفتح الطرق إليها من جديد.

موقف تركيا اليوم يبدو أكثر ضعفا من أي وقت مضى، لأن حكومتها كانت قد تدخلت كثيرا في شؤون الدول التي شهدت مظاهرات واحتجاجات باتجاه التغيير الديمقراطي، وكانت راعية للكثير من الحركات والثورات الداعية لترسيخ المفاهيم الديمقراطية، وشاركت في عقد المؤتمرات الداعية لاحترام إرادة الشعوب وترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان.

لكن الحكومة التركية في تعاملها مع المتظاهرين لم تكن القدوة الحسنة لتلك التجارب العربية، بل فشلت في الاختبار الأول لها عندما أساءت قواتها الأمنية التعامل مع المتظاهرين.

أردوغان رئيس الحكومة التركية أصبح اليوم أمام امتحان حقيقي بعيدا عن الشعارات، بعد أن أخذت الاحتجاجات منحى سياسيا، وأخذت توجهات مختلفة أكبر من قضية حديقة تريد الحكومة تحويلها إلى ثكنة عسكرية أو مركز للتسوق، حيث انضم نواب إسطنبول من حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيس، للمتظاهرين الذين تزايدت أعدادهم، وأقام أحد نواب هذا الحزب بشكل كامل في مكان الاحتجاج، إضافة إلى مشاركة النائب الكردي الأصل سزكين تانريكولو عن حزب الشعب الجمهوري والنائب أوندور التركي الأصل عن حزب السلام والديمقراطية، لنكون أمام اتساع مساحة الاحتجاج لتشمل الاعتراض على جميع سياسات أردوغان.

أردوغان أوصل العملية السياسية في تركيا إلى مرحلة خطيرة ومقلقة باعتراف الرئيس غل، الذي قال إن الوضع في تركيا بات مقلقا، لأن الرئيس التركي أصبح يدرك أن الكثير من القوى السياسية والشعبية أصبحت لها مواقف مناوئة لحكومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية، لا سيما بعد التدخلات الكثيرة في شؤون الدول الأخرى.

ولا بد من الإشارة هنا إلى حقيقة مهمة وهي أن الأزمات الخارجية لتركيا مع دول الجوار قد انعكست على علاقة الحكومة التركية مع مكونات الشعب التركي المختلفة، فوجدنا أن تلك الأزمات الخارجية وتداعياتها قد وصلت إلى الداخل التركي، وتم ترجمتها إلى هذه المظاهرات والاحتجاجات الكبيرة، لتضع أردوغان وتركيا تحت المجهر، ولتخضع تركيا لرقابة المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان التي تراقب التناقضات الديمقراطية في بلد يسعى منذ زمن للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

* كاتب عراقي