فيروس «كورونا»: التنوير العلمي.. والاتصال الجماهيري بشأن المخاطر

صفات سلامة

TT

أثناء الكوارث والأزمات وخاصة الصحية منها كالأمراض الوبائية والفيروسية، يعد البحث عن المعلومات الصحيحة وتنوير المواطن وتوعيته، من الأمور البالغة الأهمية، حتى لا تتسبب هذه الكوارث في إصابة الجماهير بالخوف الشديد والهلع غير المبرر الذي قد يؤدي لمزيد من الكوارث والأزمات. لهذا يجب الاهتمام بالاتصال الجماهيري المناسب والسريع في تزويد الجمهور بالمعلومات الكاملة الصحيحة والسريعة والدقيقة والموضوعية والمتعلقة بحجم الكارثة أو الأزمة أو الأمراض الوبائية، وكيفية إدارة وتقييم مخاطر الأزمة، بحيث لا يتم التقليل من خطورتها، حتى لا يؤدي ذلك لتهاون الجمهور في أخذ الاحتياطات اللازمة، وحتى لا يعم الوباء المرضي على سبيل المثال ويتسبب في مزيد من الكوارث، كما يجب ألا يكون هناك مبالغة في الإثارة عند تناول الكارثة أو الأزمة أو الوباء المرضي، فيتسبب ذلك في بث الإشاعات والذعر والهلع والخوف المتزايد، فيحدث شلل تام في نمط حياة المواطنين، الأمر الذي يتسبب في مزيد من الأضرار التي كان من الممكن تفاديها، لو جرى نقل الحقائق مبكرا وبصورة كاملة وصحيحة.

وأخيرا، ظهر على الساحة العالمية فيروس جديد يعرف بفيروس «كورونا»، وقد تسبب هذا الفيروس في حالات وفاة وإصابة في عدد من البلدان حول العالم، من بينها السعودية.

والسؤال المهم المطروح بخصوص فيروس «كورونا» هو: هل وزارات الصحة ومواقعها الإلكترونية في عالمنا العربي على أهبة الاستعداد للتواصل والاتصال العلمي الجماهيري المناسب مع جماهير المجتمع لتوعيتهم بهذا الفيروس ومستجداته، بطريقه عملية وسريعة ومبسطة؟ وهل هناك رسائل توعوية يومية مستمرة تتضمن معلومات حديثة ومتجددة يوميا بخصوص هذا الفيروس ومخاطره المحتملة، تقوم بها وزارات الصحة ومؤسسات الإعلام والاتصال المعنية بكافة أنواعها المكتوبة والمرئية والمسموعة والإلكترونية، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«تويتر»؟ وهل المدارس والجامعات لديها أيضا الاستعداد التام لتقديم برامج توعوية وصحية مناسبة للطلبة حول هذا الفيروس، تتناول المعلومات الصحيحة حوله وكيفية الوقاية المناسبة منه، وكذلك كيفية التعامل مع مخاوف الطلبة وأولياء أمورهم بخصوص هذا الفيروس؟ وهل مراكز معلومات الإعلام والتوعية الصحية في عالمنا العربي تقوم بدورها المناسب وقت الكوارث والأزمات، نحو تنوير المواطن وتوعيته بالمعلومات الصحيحة والمناسبة والمكثفة والسريعة التي تقلل من انتشار الإشاعات وحجم الأزمة والمخاوف منها؟

لقد أدركت الدول المتقدمة أن وسائل الإعلام ومراكز المعلومات التقليدية لم تعد كافية للقيام بدورها في تحقيق التواصل مع عامة الجمهور وإثارة اهتمامهم وتعريفهم بالكثير من قضايا العلم والتكنولوجيا، حتى يصبح العلم مألوفا للعامة خاصة في المجالات والقضايا العلمية الحديثة، فأنشئت الكثير من البرامج والمراكز المتخصصة في الاتصال بشؤون العلم والتكنولوجيا وإدارة المخاطر الناجمة عن الكوارث والأزمات (Center for Science Communication)، وتعد هذه المراكز بالفعل مراكز إشعاع علمي وثقافي وحضاري تهدف للتنوير العلمي لعامة الجمهور خاصة أثناء الكوارث والأزمات الصحية، للحد من مخاطرها، وحتى لا تتسبب الإشاعات في إصابة الجماهير بالخوف الشديد والهلع غير المبرر، إذ تعمل هذه المراكز كرابطة اتصال وتواصل مهمة بين العلماء في مراكز ومعامل البحوث العلمية وعامة الجماهير، حيث تقدم للجمهور ما يدور خلف المعامل والمؤتمرات والوزارات والمؤسسات العلمية من قضايا وأبحاث ودراسات علمية مهمة في الحياة العامة، وذلك من خلال برامج علمية وتوعوية متميزة يقدمها علماء وإعلاميون علميون أكفاء، تعمل على إثارة اهتمام العامة والناشئة بقضايا العلم والتكنولوجيا، وبالتالي المساعدة في نجاح السياسات العلمية والتكنولوجية للدولة، كما تقوم هذه المراكز خاصة في حالة وقوع الكوارث والأزمات بإعداد وتقديم برامج توعوية وإعلامية مكثفة ومتميزة ومستمرة لعامة الجماهير، تسهم بشكل مباشر في التخفيف السريع من مخاطر هذه الكوارث والأزمات.

لقد أصبح مطلوبا اليوم في عالمنا العربي أن نثير اهتمام العامة بقضايا العلم والتكنولوجيا قدر اهتمامهم وانشغالهم المتزايد بشؤون وقضايا السياسة والرياضة والفن، ولن يحدث هذا إلا من خلال إنشاء مراكز علمية مستقلة متخصصة للاتصال في شؤون العلم والتكنولوجيا وإدارة المخاطر في حالات الكوارث والأزمات خاصة الصحية منها، بحيث تضم هذه المراكز نخبة من أبرز العلماء والإعلاميين العلميين في الكثير من المجالات والتخصصات العلمية.

ومن المهم هنا أن نشير إلى أنه عند وقوع الكوارث والأزمات وبخاصة الصحية كانتشار الأمراض الوبائية، فإن قيمة الإعلام العلمي والصحافة العلمية تزداد أهميتها لدى المواطن، حيث يبدأ في البحث المتزايد عن الحقائق والمعلومات والبيانات العلمية الصحيحة عن الوباء المرضي مثلا، لهذا فإنه يمكن استغلال ذلك بأن تقوم مؤسسات الإعلام والاتصال بإعداد برامج وملاحق وصفحات علمية متميزة بإشراف متخصصين علميين من العلماء والكتاب العلميين، تتناول المعلومات العلمية عن الأزمة أو الكارثة أو الوباء المرضي والمخاطر المحتملة، وذلك بصورة مبسطة ومثيرة وجذابة، وكذلك إجراء حوارات علمية جادة مع العلماء والباحثين والمتخصصين البارزين لتعريف عامة الجماهير بالفيروس المنتشر والوباء المرضي وكيفية الوقاية المناسبة منه، حتى لا تنتشر الإشاعات وتتسبب في مزيد من الأضرار والكوارث.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن اللهاث والتنافس المحموم والسرعة غير المنضبطة وتضارب المعلومات بين القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، للتغطية الإعلامية ونقل أحداث الكارثة أو الأزمة أو الوباء المرضي، قد يتسبب من دون قصد في تسرب الشائعات وإصابة الجماهير بالهلع والخوف غير المبرر.

لقد صارت هناك ضرورة ملحة وعاجلة لإثارة اهتمام العامة والناشئة بقضايا العلم والتكنولوجيا ونشر الوعي العلمي بين أفراد المجتمع باستخدام الكثير من برامج التوعية العلمية المتميزة، واستقطاب العلماء والمتخصصين لوضع تصورات ورؤى محددة واضحة المعالم لتصبح قضايا العلم والتكنولوجيا مألوفة ومثيرة لاهتمام العامة، مثلما يحدث في شؤون الرياضة والفن، ولن يتحقق هذا إلا بإنشاء مراكز متخصصة للاتصال في شؤون العلم والتكنولوجيا، بحيث يتركز اهتمامها فقط على متابعة قضايا العلم والتكنولوجيا المتسارعة وشؤون العلماء والباحثين والمؤتمرات العلمية والتكنولوجية، وتوصيلها بأساليب متميزة لمعالجة القصور الشديد الحالي في شؤون العلم والتكنولوجيا، خاصة عند وقوع الأزمات والكوارث والأمراض، للحد من مخاطرها، حتى يتحقق التواصل مع عامة الجمهور بالشكل المناسب، الأمر الذي يسهم في النهاية في نجاح السياسات الحكومية للدولة والمتعلقة بشؤون العلم والتكنولوجيا.