تركيا.. صعوبات تواجه عملية السلام

فؤاد فرحاوي

TT

تعيش تركيا أخيرا على وقع أنباء قد تهدد بوقف مسلسل السلام الذي أطلقته مع أكرادها. ومما أثار الانتباه لدى المتتبعين هو التغيير الذي حصل على الهيكل الإداري لما يصطلح عليه بـ«اتحاد الجماعات الكردية»، الذي يوصف بالجناح المدني لحزب العمال الكردستاني. وقد كان أبرز حدث هو تعيين «جميل بايق»، أحد قيادات الحزب، على رأس المجلس التنفيذي «للاتحاد»، مما اعتبر محاولة لتقوية الجناح المسلح بتوجيه من زعيمه «أوجلان». وفي الحقيقة، فإن أحد أسباب القلق الرئيسة من تعيين «جميل» هو اتهامه بصلته مع النظامين الإيراني والسوري.

التغييرات الهيكلية وازاها صدور «وثيقة السياسة والاستراتيجية» من حزب «العمال»، يحدد فيها رؤيته وخطته المستقبلية، منها دفع الشعب إلى الشوارع والميادين فيما يشبه عصيانا مدنيا، وفي المقابل يتم الحرص على استمرار الالتزام بالهدنة مع إيران. ومن الملاحظ أن هذه التطورات تأتي في سياق آثار الأحداث السورية على المسألة الكردية، إذ تم الإعلان أخيرا عن جهود لـ«الكردستاني» لإنشاء منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا تحت اسم «غرب كردستان»، بل إنه يجري الحديث عن مسعى لكتابة دستور وإجراء انتخابات وتشكيل حكومة مؤقتة في هذه المنطقة. وعلى الصعيد العملي، ظهرت في يونيو (حزيران) الماضي فرقة أمنية خاصة، قيل أنها تابعة للحزب في بلدة «جزرة»، حيث قامت الفرقة باستعراض حيت فيه «أوجلان»، بالإضافة إلى قيامها بتفتيش الطرق والسيارات الداخلة إلى المدينة بحجة أنها تسيطر على المنطقة، وذلك قبل أن تلاحقها قوات الأمن التركية. وبعد أيام قليلة، ظهرت فرقة أمنية أخرى في بلدة «صور» التابعة لمدينة ديار بكر ذات الغالبية الكردية. من جانب آخر، أثيرت خلال نهاية الشهر الماضي شكاوى عائلات من اختفاء أبنائها وتجنيدهم في صفوف «الكردستاني»، وذلك بالتوازي مع انسحاب قوات الحزب من الأراضي التركية. وفي نفس الاتجاه وعلى خلفية أحداث بلدة «ليجة» التابعة لمدينة ديار بكر، أوردت وسائل إعلام أن حزب «العمال» يحاول أن ينقل الاضطرابات إلى مدينة حكاري، مضيفة أنه جرى تهديد السكان إن لم يشاركوا في المظاهرات التي كان يخطط لها بداية هذا الشهر بالقرب من مناطق أمنية وعسكرية. ويذكر أن بلدة «ليجة» شهدت في 28 يونيو هجوما على مراكز الشرطة أدى إلى مقتل شخص وإصابة تسعة آخرين، ويقال إن أسباب الهجوم تعود إلى الحملة الأمنية التي شنت على تجارة المخدرات وزراعتها، الشيء الذي يخنق مصادر تمويل الحزب.

المعطيات السابقة تؤكد الصعوبات التي تواجهها عملية السلام في تركيا، بل ويتضح أن عنصر الثقة بين الطرفين ما زال هشا. وإذا كانت قيادات في حزب العمال الكردستاني تتهم الحكومة بعرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة السلام بعد انسحاب عناصره من الأراضي التركية، فإن المسؤولين الأتراك يصرحون بما يفيد بأن الحزب يناور بالالتزامات. وفي هذا الإطار، صرح رئيس الوزراء طيب أردوغان في نهاية الشهر الماضي بأن 85% من عناصر «الكردستاني» لم ينسحبوا، وهو الأمر الذي أكده مجلس الأمن القومي في الجلسة التي عقدها في يونيو (حزيران) الماضي. وأشارت مصادر إعلامية إلى أن أغلب الذين انسحبوا هم من النساء والمصابين والمرضى وممن يشكلون إزعاجا للحزب في القرى. وعلى المستوى الحزبي، تحدث البرلماني عن الحزب الحاكم «إدريس بال» في تقرير له بأنه لا ينبغي استبعاد إمكانية فشل المفاوضات، مشيرا إلى أن الفشل قد يسبب أضرارا ومشاكل كبيرة لتركيا، أما النائب عن حزب «الحركة القومية» المعارض أوزجان ينيجاري، فإنه ينبه إلى أن «الكردستاني» لم ينسحب وإنما يعيد التمركز الاستراتيجي في الأراضي التركية.

تأتي هذه التطورات في سياق إقليمي يزداد تعقيدا، فالأتراك كان من إحدى مقارباتهم لحل المسألة الكردية هو إدماج اقتصاد إقليم كردستان العراق مع اقتصادهم، خاصة ما يتعلق منه بقطاع النفط، غير أن الإدارة الأميركية ترفض هذا المخطط، مما يعقد الخطط التركية.

وتخشى أنقرة أيضا من أن يكون هناك تنسيق بين عناصر حزب الله وأكراد سوريا لتحقيق أهداف متبادلة، ولعل دعوة وزير خارجية تركيا لنظيره الإيراني خلال زيارته أنقرة الأسبوع الماضي إلى انسحاب كل العناصر الأجنبية من سوريا - تصب في هذا الاتجاه. تركيا قلقة أيضا من أن تؤدي أي اضطرابات غير متحكم فيها إلى الإضرار باقتصادها وديمقراطياتها وفتح المجال لاحتمالات أسوأ، وهو ما نلمسه في تعديل البرلمان خلال الأسبوع الماضي المادة 35 من قانون الخدمة العسكرية التي كانت تبرر للانقلابات العسكرية، وأصبح التعديل يحصر مهام الجيش في أمور الدفاع ضد الأخطار الخارجية. وكل هذه الإشكالات وفي ضوء ما تشهده المنطقة من تطورات، جعلت الخارجية التركية تعيد ترتيب سياستها الشرق أوسطية، وهو ما يفهم من اللقاء الخاص لوزير الخارجية مع سفراء بلاده في المنطقة.

* باحث في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية ـ أنقرة