شعوذة ودجل

دلير جباري

TT

في العراق اليوم أعداد كثر من الذين يدعون أنهم شيوخ ودهاقنة يماسون الشعوذة حيث خلت الساحة لهم بما يمارسون من دجل وضحك على الناس، إذ رأى بعض الناس في هؤلاء، خلاصا لمشاكلهم فشدوا الرحال إليهم.

الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل إن بعض الفضائيات تورطت في هذا الأمر ورأت في هؤلاء الدجالين والمشعوذين مادة دسمة لجذب المشاهدين؛ لذا نرى برامج عديدة في قراءة الكف وتأثير الأحجار الكريمة على الإنسان، وأثر النجوم على حياة الإنسان والفلكيات وما شاكله من خرافات. وليت الأمر اقتصر على برامج الشعوذة والدجل، بل تعدى إلى قيام بعض الفضائيات التي تدعي أنها مرموقة، وتمثل جميع العراقيين بنشر إعلانات تلفزيونية لهؤلاء ومكاتبهم والخدمات التي يقدمونها في عالم الروحانيات. والغريب في الأمر أن هذا المركز الروحاني يقع في أرقى أحياء بغداد وأغلاها ثمنا، هذا لا يعكس إلا الحالة المتردية التي آل إليها العراق كأنه غمامة سوداء حطت رحالها على أرض الرافدين. وأرى أن الفيصل في كون هذه القنوات الفضائية استهلاكية أو ثقافية وهادفة في بناء المجتمع ولها رسالة إعلامية نبيلة في زيادة الوعي والثقافة في المجتمع هو المادة الإعلامية المقدمة في هذه الفضائيات، هل هي برامج قراءة الكف وتأثير الأحجار الكريمة على الإنسان والأبراج، أم هي برامج ثقافية تنهض بعقولنا وتدفع بروح العراقيين إلى التسامح والتعاضد؟

هذا ما آل إليه العراق أرض الرافدين أرض الحضارات والنور والعلم، أرض حمورابي واضع أول قوانين البشر. الأرض التي أهدت البشرية أجمل ثمرات العقل، ألا وهي الكتابة أساس كل تطور في دنيا البشر. قدمت أرض الرافدين القوانين الرياضية وأسس المحاسبة والجداول الاقتصادية لحساب تكلفة الزراعة وتقدير أيام السنة، رغم أن هذه الحضارة تمثل البدايات الأولى لقصة هذا الإنسان على أرض المعمورة. هذه الأرض الخصبة نابضة بالحياة ولم ينضب فيه ماء الحياة، وها هي بغداد عاصمة الرشيد عاصمة الدنيا تنبعث مرة أخرى لتصبح قبلة للعلماء ومنارة للحكمة وجدولا ينهل منه كل طالبي العلم.

ولكن هذا الأمر الذي أتحث عنه سيعيدنا إلى الخلف وسيغدو حجر عثرة وعقبة في وجه التقدم. أين هو الرشيد من عاصمته؟ وأين العقل والعلم وكل ما تقدم من هذه الأرض اليوم؟ أصابتنا سنوات عجاف وبدأ الجهل ينتشر في جسد مجتمعاتنا وينخر عظامنا، حجب العقل وكثرت الخرافات وأصبحت كطيور تعشش فوق رؤوسنا، وكيف بنا الحال إذا نام العقل وبدأنا نسير في طريق مظلم؟

إن ظاهرة الدجل والشعوذة لا تقتصر على مكان بعينه أو بقعة ما، بل أصبحت ظاهرة منتشرة في ربوع هذا البلد، وما زال صراخ طفلة يدوي في مخيلتي ويبعث الحزن والأسى كلما تذكرتها، عندما رأيتها في أحد الأمكنة وهي عرجاء لا تستطيع السير بشكل سوي طلب أبوها من أحد المشعوذين أن يداويها، فما كان من هذا الرجل إلا أن رفع عصا غليظة يتكئ عليها في وجه هذه الطفلة البريئة وطلب منها السير، وإلا فسوف ينهال عليها بالضرب بعصاه، والطفلة تصرخ مرتعدة خائفة. إن العقل البشري بلغ مراحل متطورة ومتقدمة في حل مشاكله وأمور حياته المعقدة الشائكة في بقية أنحاء المعمورة، وأين وصلنا نحن؟ عصا غليظة لشفاء المرضى.

أرى أن الواجب الإنساني يحتم علينا ألا نقف مكتوفي الأيدي أمام هؤلاء المشعوذين تاركين أمور البلاد والعباد بيدهم يعيثون في الأرض فسادا وجهلا. لا بد من وقفة جادة من كل المثقفين والحريصين على أمر هذا البلد أن يحاربوا هؤلاء وأن يكشفوا زيفهم ودجلهم، وأن يسعوا في تنوير الجيل القادم ونشر الثقافة والوعي والأخذ بيدهم إلى جادة العلم والصواب.

إننا نطلب من جميع وسائط الإعلام من خلال صحيفتكم أن تنتبه إلى هذا الموضوع، وترشد الناس إلى الطريق الصحيح.

* قانوني كردي مقيم في لندن