يا محبي مصر.. كونوا لأوطانكم

لطفي فؤاد أحمد نعمان

TT

متابعو أحداث مصر الأخيرة في كل مكان، وفي اليمن على وجه الخصوص، تبعا لانتماءاتهم وأهوائهم - ومشاعرهم بكل تأكيد - انقسموا «مع وضد» أطراف المشهد والصراع هناك، مهدرين أعصابهم وطاقاتهم في تخوين وتجريح بعضهم بعضا وتصنيفهم بين أنصار وخصوم، وإخوان وأعوان! كأن خصوصيات مصر المؤلفة من: عبقرية المكان والحضارة التاريخية وعمق احترام القانون ومهابة الدولة بمؤسساتها المدنية والعسكرية، وكذا الانفتاح الإنساني والثقافي والفكري.. سيضاف إليها خصوصية جديدة بفعل الجدل العقيم حول التطورات المصرية.. وهو جدل يضعف من يختلقون خلافا في ما بينهم حول قضايا وتطورات وانقسامات الواقع المصري الجديد ومحاور ارتباطاته الداخلية والخارجية.

كان حريا بجموع من أهل اليمن، الذين نسب الإيمان والحكمة إليهم في الماضي وانقسموا حول مصر حاليا، أن لا يصرفوا وقتا في الاختلاف قدر ما يلقون بالا إلى الاعتناء بكيفية الاتفاق حول تجنيب بلادهم ما أسفرت عنه التطورات في مصر.. فهكذا ستتأكد «الحكمة اليمانية» وتتضح قيمة الحرية والديمقراطية اليمنية التي أفسحت مجال التعددية الحزبية والمذهبية والرؤيوية. ففي ظل الحريات المتاحة في اليمن، جرى الانتساب – دون ضيق من ذلك – إلى تيارات سياسية معينة ترتبط بأفكار ونظرية وآيديولوجيات جامعة لأكبر قدر من البشر داخل أي بلد وخارج أي موطن.

كما لا يضر تبني موقف وعرض رأي مضاد لرأي وموقف آخر، لكن الخطر في الانقياد الأعمى (وحتى المدروس) لمحاولات فرض هذا الرأي بدعوى احتكار الحقيقة، التي تحظر على الآخرين حقوق التفكير والاقتناع بالتزام ما يلائمهم من جانب.

إن حراك مصر أخيرا كشف التضاد آيديولوجيا وفطريا بين فرق وشخصيات يمنية يستحيل عليها الحياد والاتزان، كما يقول نزار قباني:

سامحيني إذا احترقت وأحرقت فليس الحياد في إمكاني مصر يا مصر إن «وضعي» خطير.. فاغفري لي إذا أضعت اتزاني ولهذا يختل الحوار حول تطورات مصر ونظرا لمكانتها وتأثيرها التاريخي حيث بنهضتها ينتعش العرب ومن أزماتها يتضررون.

في جميع الأحوال ليس ينفع ذاك الحماس مصر شيئا بينما يضر اليمن كثيرا للأسف.. فاهتمام تلكم الجموع بشؤون مصر صرفهم تماما عن جملة من القضايا والمحاور التي يتوصل إليها أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن وتكاد تمرر - بل مررت - من تحت أنوف المهتمين اليمنيين بمصر، دونما انتباه لتأثيراتها على مستقبل وأمن واستقرار ووحدة وطنهم! سواء كان في مجال الحريات والحقوق، أو بناء الدولة، أو حلول قضايا اليمن جنوبه وشماله. إبداء قدر من الحماس الواعي لقضايا اليمن، مع نزر من اليقظة الحكيمة بغية الالتقاط الإيجابي لدروس مصر سييسر إدراك مضار مجافاة الواقع الذي يتشكل بجميع القوى السياسية أيا كان الموقف من بعضها.. كما سيضيف كثيرا على التجربة اليمنية، بينما تبقى من مرحلتها الانتقالية المحفوفة بالمخاطر هي الأخرى.

أخيرا، المحبة لمصر وغيرها من دول المنطقة لا يعمقها الاختلاف اليمني أو الجدل العربي حول قضايا مصر وغيرها، بل بالاتفاق على الاعتبار مما خلصت إليه التجربة من دروس، لكي يكون المختلفون المتحمسون حقا لأوطانهم ولمصر.. لا عليها. فيا محبي مصر من كل مكان: كونوا لمصر ولأوطانكم، لا تكونوا عليها.

* كاتب يمني