الكويت التي أحب وأخاف عليها

محمود عبد الخالق النوري

TT

كتب الأخ حسين شبكشي مقالة رائعة في جريدتكم بتاريخ 8 / 11 / 2013 تحت عنوان «الكويت التي أحب وأخاف عليها» مقالة تحمل من الحب للكويت الكثير يشكر عليها، ما ورد يؤكد مدى الارتباط والتقدير الذي يكنه الكاتب لكويت ما قبل 1990.

وردي يهدف إلى تقدير ما ذكره الكاتب المحترم، ومحاولة لتبيين أسباب تخلف الكويت خلال العقدين الماضيين، الذي هو برأيي الشخصي يعود إلى عاملين:

الأول: تطور دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، بشكل رائع خلال السنوات العشرين الماضية. سواء من جانب البنية التحتية، طرق، مطارات، موانئ... أو في مستوى الخدمات للمواطنين، مدن سكنية، مدن صناعية، مستشفيات، مدارس، جامعات... أو في مجال الخدمات العامة الأخرى.

يضاف إلى ذلك مقارنة الكويت دائما مع النموذج الرائع، دبي، التي هي بكل المعايير العالمية معجزة بناء مركز مالي وتجاري جديد مكتمل وينافس هونغ كونغ وسنغافورة، وانتزع بجدارة كأس السبق من بيروت والبحرين. تم ذلك بشكل هادئ خلال 25 سنة. دون أي إزعاج، أو وضع العصا في العجلة من معارضة تقول كلمة حق يراد بها باطل. ويعود ذلك إلى الرؤية الثاقبة لـ«الرئيس التنفيذي» للمشروع. وإلى الإصرار والعزيمة على التنفيذ الذي جعل المحال ممكنا.

السبب الثاني: تطبيق الديمقراطية الغربية، دون مواءمة، في مجتمعات ما زالت تعيش مرحلة «القبيلة». فالفكر القبلي والطائفي هو المسيطر على ثقافة المجتمع الكويتي. واستمرار الانتخابات كل أربع سنوات أو أقل زاد من الفرز الطائفي والقبلي بين «بني الأخضر وبني الأصفر» وطائفة «الشرقيين وطائفة الغربيين».

وتحولت مناطق السكن الكويتية إلى تجمعات خاصة، فكل منطقة تعيشها طائفة معينة، أو تتمركز فيها قبيلة معينة بهدف إيصال أبنائها إلى مجلس الأمة للدفاع عن حقوقهم!!! هذا الفرز قسم المجتمع وأصبحت الكويت لبنان ثانيا بسبب تطبيق الديمقراطية بمفهومها الغربي. لكن الله سبحانه وتعالى حفظها من التدهور الذي وصل إليه لبنان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. بسبب الوفرة المالية وبرامج الإنفاق السخية التي أقرت طوال العقود الماضية. وغطت احتياجات المواطنين الأساسية والكمالية. فمثلا خريج الجامعة يحصل على راتب يقارب ثلاثة آلاف دولار شهريا دون ضرائب، حال تعيينه في الدولة، إلا أن نواب الشعب ما زالوا يهاجمون الحكومة لعدم تلبيتها لمتطلبات المواطن «المسكين والمسحوق»!! أوافق الأخ حسين شبكشي على ما تفضل به من إبداعات الكويتيين في سنوات ما قبل الابتزاز السياسي 1991، حيث غطى ذلك الإبداع كل الميادين، الرياضية والفنية والاقتصادية وقيام المرأة بنشاطات رائعة لا نراها الآن. ويعود ذلك إلى السيف المسلط على رؤوس الوزراء، وعلى رؤوس الهيئات الحكومية التابعة لها، تحت شعار محاربة «سرقة المال العام» أو «إهدار المال العام» أو التسيب وضياع الفرص على المال العام.

هذا السيف الذي شهره بعض النواب منذ عشرين عاما، وغالوا فيه في السنوات الأخيرة، كان الهدف منه إرغام الوزراء والحكومة على تمرير معاملات ومشاريع لبعض النواب. من يمرر المعاملات من الوزراء لا يشهر السيف عليه مؤقتا. أما الآخرون فالسيف مسلط على رقابهم، ولا يعدم النائب فرصة لتصيد الجزء الفارغ من الكأس حتى لو كان ذلك 5% أو المتسبب في ذلك وزير سابق. هذا التصيد جعل الحكومة مترددة في تنفيذ بعض المشاريع وفي حالة صراع دائم مع «ما سمي نفسه بالمعارضة»، مما أخر الكويت عن الركب الخليجي.

لذلك عندما نقارن أداء الحكومات في الكويت مع شقيقاتها الدول الخليجية الأخرى نجد أن الحكومات الخليجية الأخرى ووزاراتها أنجزت الكثير من البرامج، وطورت الدولة. بالتأكيد هناك أخطاء، فمن يعمل يخطئ ومن لا يعمل لا يخطئ. لكنّ هناك تقديرا من القيادة السياسية عكس الوضع في الكويت، فهدف البرلمان ليس متابعة تنفيذ المشاريع والتأكيد على إنجازها في وقتها، إنما التصيد ومحاسبة الحكومة والوزراء، مما أزم العلاقة وجعل إمكانية التنفيذ صعبة.

أود أن أضيف أن ذكري للنقطتين السابقتين لا ينفي وجود سبب آخر (ليس مجال مناقشته صفحات الجرائد)، وهو التنافس على المراكز المتقدمة في القيادة. وما يتبع ذلك من محاولات لجذب عناصر مؤيدة لهذا التيار أو ذاك. هذه التجاذبات مسرحها مجلس الأمة، وما يسمى بالممارسات الديمقراطية. أعاننا الله وإياكم على تطبيق الديمقراطية بمفهومها وأسلوبها الغربي.

الإصرار على هذا التطبيق يهدم أسس المجتمع وعلاقاته الصحية والسليمة والمستقرة منذ عشرات أو مئات السنين. ويقسم المجتمع إلى طوائف وقبائل - ديمقراطية أميركا في العراق -. ويثير حساسيات مريضة، ويؤخر مسيرة التطور الطبيعي للمجتمع، وهذا ما حصل في الكويت.

في الختام أشكر الأخ حسين شبكشي مرتين، الأولى: على مقاله الرائع والراقي والمليء بالحب والغيرة على الكويت وإنجازاتها، وهذا ليس غريبا عليه. والثاني: لأنه سمح لي بالرد على ذلك في جريتكم المحترمة. وأختم بما ختم به «شبكشي» مقاله وأضيف عليه: اللهم احفظ الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية كافة من فتن ومخططات الخريف العربي. ومن الذين يرفعون شعارات تحمل كلمات حق، ثبت أنهم يريدون بها الباطل. ومن مشاريع أميركية مشبوهة لتطبيق الديمقراطية، بمفهومها الغربي في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

* وزير المالية الكويتي الأسبق