وليد المعلم في خطر..!

جمال قارصلي

TT

إن «الخدمة» التي قدمها وزير خارجية النظام وليد المعلم للمعارضة السورية لا تُقدر بثمن، ولو دفعت له المعارضة ما يعادل وزنه من الذهب وشكرته لمدة أيام وليال متواصلة، فلا تستطيع أن ترد له ما قدمه لها من معروف وجميل. ما قام به وليد المعلم أثناء الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «جنيف 2» كان يشبه ما يقوم به الفيل في متحف للزجاج، لأنه في كل حركة يقوم بها كان يكسر شيئا من الزجاج الدبلوماسي. بتصرفه هذا أعطى المعلم للعالم الصورة الحقيقية لنظامه، وكيف يفكر هذا النظام، وكيف عامل هذا النظام مواطنيه ولعقود طويلة، وأسباب انتفاض الشعب السوري بثورته هذه لنيل حريته وكرامته.

كلمة وليد المعلم كانت مكتوبة وطويلة جدا، وكان عليه أن يقرأها كاملة، وألا يترك حرفا واحدا من هذا الكلام «الجميل والرنان»، لأن توجيهات «القصر» كانت هكذا. ومن الواضح أن هناك من نصحه بأن يظهر بمظهر الرجل الشجاع والواثق من نفسه. بناء على هذه النصيحة أراد أن يسجّل موقفا «بطوليا» أمام الرأي العام العالمي، عندما تهجّم على وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، جون كيري، فكانت نتيجة تصرفه هزيلة ورزيلة، ولا تتناسب مع الأعراف الدبلوماسية.

هذه الأخطاء الجسام تجعلني لا أستبعد كثيرا أن تقوم أجهزة أمن «النظام» باعتقال وليد المعلم، أو تصفيته، أو إبعاده عن المشهد السياسي والدبلوماسي، إذا ما رجع إلى دمشق.

حسب تصوري، أصبح كل أعضاء وفد «النظام» المفاوض في جنيف الآن في خطر، لأن كاميرات الصحافيين كانت تفضح المستور، وعلامات التوتر والتشنج كانت واضحة عليهم جميعا، وكأنهم كانوا جالسين في مأتم، وليس في مؤتمر، من أجل إنقاذ الوطن والمواطن السوري. مظهرهم كان يوحي وكأن قوة ما كانت قد دفعت كل واحد فيهم وجلبته إلى مقعده، وقالت له: «اجلس! هذا مكانك ولا.. ولا..» وعليكم البقية. أما عملية التسمم بواسطة الكحول، التي حصلت مع الجعفري، فلا نعلم أسبابها؛ فهل حصلت كنتيجة لحالة اليأس التي وصل إليها الوفد المفاوض، أم كانت عملية انتحار فاشلة؟! الآن أصبحت ليس فقط حياة وليد المعلم في خطر، بل حياة كل أعضاء الوفد المرافق له، لأن التوتر بين أعضاء الفريق كان واضحا، وكان ينعكس كذلك على تصرفاتهم، وحتى على حركاتهم ولغتهم الجسدية.

كل عضو من أعضاء الوفد يعرف جيدا أن عليه أن يكتب تقريرا مفصلا إلى سادته حول كل ما جرى في هذا المؤتمر، بعد رجوعه إلى سوريا، وفي هذه الحالة سيحاول كل واحد منهم أن يبرئ نفسه وأن ينقذ روحه من الأخطاء التي حصلت في هذا المؤتمر، وأن يقوم برمي اللوم على الآخرين.

إنني أرى، ومن دوافع إنسانية، أن يتم عرض اللجوء السياسي أو الإنساني من قبل إحدى الدول الأوروبية على كل أعضاء وفد النظام السوري من أجل إنقاذ حياتهم، لأن «معلمهم» في دمشق وأصحاب القرار هناك سيغادرون البلاد عاجلا أم آجلا إلى مكان ما في هذا العالم، وبهذا تكون هذه الدول قد ساهمت في حقن دماء السوريين، وساعدت في التوصل إلى حل مناسب للأزمة السورية. على الأعضاء الرئيسيين في وفد النظام أن لا يماطلوا كثيرا، وأن يستغلوا الفرصة السانحة الآن لأن بعض أعضاء الوفد غير المهمين أخذوا بهذه الفكرة، كما يقال، ونفذوا بريشهم.

* نائب ألماني سابق من أصل سوري