عواقب تجنب المواجهة

د. محمد عروة القيسي

TT

على الرغم من كل الآمال التي كانت معقودة عليه انتهى «جنيف2» دون أي نتيجة تذكر كما كان متوقعا تماما، إذ كما هو معروف فإن ميزان القوى العسكري على الأرض هو ما يحكم عادة نتيجة أي اتفاق سياسي.

هذا الميزان الذي يبدو أنه لن يميل لصالح المعارضة العسكرية ما دامت مشتتة ومخترقة وليس لها قيادة موحدة، ورغم أن الوحدة هي حاجة بنيوية بديهية للمعارضة أولا، فإن الغرب وأميركا لن يقدما لها أيضا أي دعم نوعي من دون توحدها وحتى تبلور بديلا للأسد واضح العنوان والمعالم والتفاصيل والأهداف وقويا بما فيه الكفاية ليكون صاحب كلمة وقرار على الأرض، عندها سيكون الائتلاف مؤهلا كخطوة أولى للتفاوض مع أميركا وحلفائها لينال دعمهم لاحقا في حال نال الرضا وجرى الاتفاق.

وهذا ما يفسر سعي أميركا لمحاورة الجبهة الإسلامية منذ فترة، كونها قطعت الخطوة الأولى وقتها وشكلت كيانا له نفوذ مقبول ولكنها رغم ثقلها العسكري لم تستطع حتى الآن أن تقدم مشروعا سياسيا متكاملا يرقى تنظيميا إلى مشروع دولة ذات مؤسسات.

على الجانب الآخر فإن الائتلاف الذي يطرح مشروع الدولة والمؤسسات ويمتلك اعترافا دوليا جيدا ما زال يفتقد الذراع العسكرية الحقيقية في عالم لا يعرف إلا لغة القوة ولا يحترم إلا القوي.

كما أن آخر رمزية للأركان كممثل للجيش الحر تلقت ضربة قاصمة عندما قامت الجبهة الإسلامية بسرقة مستودعاتها لتنكشف هشاشتها ووضعها الورقي.

هذا يعيدنا إلى الأسئلة الأولية ويجعلنا نتساءل عن سبب المآل الذي آلت إليه قوى المعارضة رغم وجود ما يقارب مائة ألف مسلح في صفوفها.

وعندها قد لا نجد، وللغرابة، أفضل من عدة مقالات كتبها ميشيل كيلو عضو الائتلاف البارز والمؤثر عقب دخوله للائتلاف.. كلها تندرج في سياق ترتيب البيت الداخلي ومنها مقاله «تطورات تستحق المواجهة» بتاريخ 13-8-2013 في «الشرق الأوسط»، أسهب فيه في شرح وتشخيص واقع المعارضة وخاصة العسكري منها، بما فيها من تشتت وتنافر وفوضى السلاح وغياب الدولة في المناطق المحررة، وأن هذا كله سيكون أكبر عون للنظام، وأقر فيها أن منطق العلاج يبدأ بمواجهة المشكلات لأنها تقتل من يؤجل مواجهتها أو يتهرب منها، وأن مفتاح الحل الشافي يكمن في إنشاء الجيش الوطني ذي البنية العصرية حامل وحامي مشروع الدولة المدنية الديمقراطية المزعومة، وهو المشروع الذي دخل ميشيل كيلو الائتلاف لينافح عنه، ولكن بعد مرور ستة أشهر لم يرَ مشروع الجيش الوطني النور رغم أنه بحجم من ينتصر ومن يهزم، مع التنويه بأن السيد أسعد مصطفى (وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة) يبدو مصرًّا على إنشاء هذا الجيش في الآونة الأخيرة، وإلا فإنه يفضل الاستقالة كما يقول، فالسيد أسعد مصطفى خبير بالعمل المؤسساتي ويعرف أنه من دون الجيش الوطني المؤسساتي الذي هو المشروع الوطني الأهم وعماد الدولة الحديثة ستذهب تضحياته وكل تضحيات الشعب السوري هباء.

ولكن يبقى السؤال الأبرز، هل سيقدم له الائتلاف الدعم الكافي ويدخل المواجهة ويتخلى عن مداهنة قادة الكتائب وأمراء الحرب وخاصة أن بعضهم أذرع لجماعات ضمن الائتلاف؟! من جهة أخرى لنعترف أيضا بأن المهمة أصبحت أصعب بكثير، خصوصا مع الخرق النوعي الذي حققه النظام الذي لا بد أنه أثار إعجاب بل وحسد الغرب وأميركا، فالتنظيمات الأصولية (داعش وغيرها) التي أنهكت الغرب في أفغانستان والعراق جرى اختراقها وتجييرها لمصلحة النظام بكامل كوادرها بما فيها من انتحاريين في إبداع مخابراتي لم يشهد له التاريخ مثيلا.

بل ان الاختراق على التنظيمات المتطرفة فحسب بل تحول الى اختراق لفكر الإسلام السياسي بالمجمل مع منظريه الذين لم يعوا هذا الاختراق حتى بلغ السيل الزبى ولم يفهموا أن الشعارات وحدها لا تكفي، وهم برأيي عاجزون عن التعامل معه أو تجنب تكراره في الفترة الحالية؛ لأن هذا يستدعي منهم مراجعة فكرية شاملة يفتقدون المرونة لإجرائها.

«مصيدة الذباب» (قاتلة الإرهابيين) حلم جورج بوش الابن الذي عجز عنه في العراق، أنجزها بشار الأسد في سوريا، فها هم يتقاطرون من كل حدب وصوب ليفني بعضهم بعضا، أفلا يستحق بشار الأسد بعد هذا مكافأة وإطالة عمر نظامه تحت اسم التفاوض والبحث عن حل سياسي خاصة مع عدم وجود البديل المرضي.

هذه كلها عواقب سياسة الائتلاف من تجنب المواجهة ومداهنة قادة الكتائب وأمراء الحرب تحت مختلف التسميات بدلا من الإصرار على إنشاء الجيش الحر المؤسساتي جيش سوريا الحديثة.

نتمنى أخيرا لوزير الدفاع أسعد مصطفى أن ينجح فيما فشل فيه الآخرون حتى نستطيع أن نلمح نورا في آخر النفق.