تفجيرات الريحانية تؤجج الانقسامات في أنطاكيا حول سوريا.. وأردوغان

مظاهرات على الحدود بين البلدين للتنديد بهجوم الأسبوع الماضي

مواطنون أتراك يعاينون أمس آثار التفجير المزدوج في بلدة الريحانية قرب الحدود مع سوريا (أ.ف.ب)
TT

في اليوم الأول، كانت المظاهرات صغيرة وعفوية، مائتا متظاهر يقودهم رجل يحمل ميكروفونا في الشارع الرئيسي. وفي اليوم الثاني، صارت المظاهرات أضخم وطوقوا وسط المدينة، مما أدى لجذب انتباه جموع فضولية من المتفرجين على طول الطريق. وفي اليوم الثالث، بدأ المتظاهرون يفدون إلى أنطاكية على متن حافلات، وحضر كمال كيليجدار أوغلو زعيم حزب المعارضة الرئيس في تركيا، وهو حزب الشعب الجمهوري، شخصيا لمخاطبة الجموع المحتشدة.

ولقد تسببت انفجار سيارتين مفخختين في الريحانية، السبت الماضي، في تأجيج حالة الشقاق المتأصلة داخل مجتمع جنوب شرقي تركيا.. بين المؤيدين لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والمعارضين له، وبين من يدعمون الثورة في دولة سوريا المجاورة ومن يعارضونها، وبين عدد لا حصر له من الجماعات الطائفية التي تشكل تلك المنطقة متعددة الثقافات منذ القدم.

وقال أحد مسؤولي أنطاكيا الذي انضم لمظاهرات الاثنين الماضي: «أردوغان ينتهج السياسة الخاطئة فيما يتعلق بالشأن السوري، ونرغب في تجريده من السلطة»، واستطرد قائلا: «الولايات المتحدة تستغل تركيا لخلق مشكلات في سوريا. لم تكن لدينا مشكلات مع سوريا من قبل قط، فلم يحدث ذلك إلا عندما أضحى أردوغان رئيس وزراء».

إن الإمبريالية الأميركية وانتقاد علاقة أردوغان بالولايات المتحدة وأوروبا موضوعان رئيسان في تلك المظاهرات. قال مدرس شاب شارك في مظاهرات السبت التي اندلعت بعد بضع ساعات فقط من إذاعة أخبار عن التفجير، إنه يعتقد أن أردوغان قد يستغل الهجوم ذريعة لإرسال قوات تركية إلى سوريا. وأوضح: «سيقولون إن (الرئيس السوري) بشار الأسد فعل هذا، وإنه يتعين علينا أن نأخذ بثأرنا. ولكن هذه الحرب قد بدأتها كل من الولايات المتحدة وأوروبا في إطار سعيهما لتحقيق مصالحهما الإمبريالية».

لكن بالنسبة للاجئين السوريين الذين استقروا في هذه المنطقة على مدار الـ18 شهرا الماضية، تتخذ المظاهرات طابعا أكثر قتامة وإثارة للقلق. قال أحد المتظاهرين: «نحن نصف السوريين في تركيا باسم (المهاجرين غير الشرعيين)». وأضاف: «إنهم يأتون إلى هنا لأنهم يعلمون أن أردوغان سيمنحهم المال وسيوفر لهم نوعية حياة أفضل، مما كان يمكن أن ينعموا به في سوريا على الإطلاق».

إن الوضع الجغرافي للمنطقة، ودعم أردوغان للمعارضة السورية، هما عاملا الجذب اللذان أتيا بآلاف اللاجئين إلى مدن محافظة هاتاي. ويعتبر من استقروا في المجتمعات المحلية على النقيض من معسكرات اللاجئين (في الأغلب) من الطبقة المتوسطة، وممن وصلوا إلى مستوى تعليمي عالٍ. فقد شغلوا وظائف مثل مترجمين أو عاملين في مجال الأنشطة الإنسانية، وقاموا باستئجار شقق، وبدأوا يعيشون حياة جديدة، وإن كان غير مخطط لها، في تركيا. يقول عبد الله، منسق بإحدى المنظمات غير الحكومية، الذي أتى إلى هنا قادما من اللاذقية قبل عام: «من بين دول الجوار قاطبة، كانت تركيا هي الملاذ الأفضل بالنسبة للسوريين». يقول: «هنا يمكننا أن نعمل وأن نعيش حياتنا من دون أن تساورنا مخاوف من احتمال أن تقوم الحكومة بترحيلنا مجددا إلى سوريا».

غير أن هاتاي منطقة تعج بعدد كبير من العلويين ممن يدعمون نظام الأسد بقوة. ولقد أثار وصول اللاجئين، الذين يعتبر السواد الأعظم منهم من السنة ومن أنصار المعارضة، توترات ظلت مستترة فيما سبق. وقد تسببت التفجيرات في ريحانلي في ظهور اتجاهات الرأي الخفية على السطح. يقول أحد المتظاهرين: «لقد وقعت التفجيرات هنا نظرا لأن أغلب السكان المحليين ينتمون للطائفة العلوية». وأضاف: «معظم الناس هنا يدعمون الأسد، وهذا من عمل المعارضة السورية».

وبينما ألقت الحكومة التركية باللوم في التفجيرات على النظام السوري، فإن كثيرا من أهالي هاتاي يرفضون ذلك ويرون أنه عمل متطرفين على صلة بالمعارضة. وتنتشر الشائعات المتعلقة بكيفية وقوع الهجمات وسبب وقوعها. يقول أحد سكان هاتاي: «بدأ كل هذا بسبب أن سوريا تناول الطعام في أحد المطاعم في ريحانلي ولم يسدد الحساب. فأوسعه السكان المحليون ضربا، وتم زرع القنابل انتقاما لهذه الواقعة». ويقول متظاهرون آخرون إن 146 قد لقوا حتفهم جراء الهجوم، وليس 46، مثلما تشير إليه وسائل الإعلام، وأن من قتلوا كانوا من الأتراك فقط، وأن السوريين في ريحانلي قد تلقوا تحذيرات مسبقة وقاموا بإغلاق متاجرهم ومطاعمهم قبل انفجار القنابل.

وفي ظل المناخ المهتاج في هاتاي، يمكن أن تنتشر الشائعة انتشار النار في الهشيم، فضلا عن أن كثيرا من السكان المحليين الغاضبين متعطشون للانتقام.

يقول متظاهر غاضب: «إذا لم تقم الحكومة بطرد الإرهابيين، فسوف نطردهم نحن». ويشرح آخر كيف يمكنه تمييز المتطرفين السوريين في أنطاكيا قائلا: «من طريقة مشيهم ولحاهم».

بالنسبة للسكان السوريين السنة في هاتاي، يبدو تهديد الانتقام حقيقيا ووشيك التحقق. ففي ريحانلي، نقلت تقارير تفيد بأنه تم تحطيم سيارات لسوريين في الساعات التي تلت وقوع التفجيرات، وفي أنطاكيا، تم إطلاق الرصاص من نافذة أحد مطاعم الشاورما السورية. وفي محل الفلافل السوري المواجه، بدا العاملون في حالة من اللامبالاة. «اعتدنا على القصف والقنابل، إذن، فهذا ليس بجديد»، هذا ما جاء على لسان طالب ظل مقيما في تركيا لمدة شهرين. غير أن المنظمات غير الحكومية، مثل «منظمة إنقاذ الطفل»، طلبت من عامليها السوريين أن يلزموا منازلهم يوم الاثنين، كما أن كثيرا من السوريين الآخرين الموجودين في المدينة يمتنعون عن مغادرة منازلهم.

بالنسبة لأردوغان، تعلق كثير من الآمال على طريقة رد فعله تجاه التفجيرات.. لقد أحدثت التفجيرات انقسامات في السياسات المحلية، بقدر ما زادت التوترات عبر الحدود. لكن في محافظة هاتاي، تأثرت العلاقات بين اللاجئين السوريين ومضيفيهم الأتراك سلبا بالفعل، وسيتطلب إصلاحها وقتا طويلا. وقال متظاهر في نهاية اليوم الثالث من المظاهرات: «نحن نتوقع المزيد من التفجيرات في المدن والقرى من حولنا. ما زال المزيد من المشكلات بانتظارنا».