الخلافات السياسية تعرقل وصول المساعدات إلى 7 ملايين سوري نازحين داخل بلادهم

الآلاف من السوريين يعيشون على وجبة طعام واحدة في اليوم توزعها منظمات إنسانية

TT

كل يوم في الساعة الثانية بعد الظهر تقف رجاء في الصف الذي يحيط بالوحدات السكنية التي لم يكتمل بناؤها. ومثل الآخرين تمسك بإناء معدني صغير تملؤه بالطعام لتحضره إلى أسرتها، وتكون تلك وجبتهم الوحيدة في الأيام العجاف. وقالت رجاء، وهي أم لـ5 تركوا منزلهم في حي للفلسطينيين بحلب منذ شهرين: «لقد تركنا منازلنا بالملابس التي نرتديها فقط». وبالأمس تلقت نبأ بهدم منزلها في ضربة جوية، لذا باتت هذه هي الحياة التي عليها التكيف معها. ولم يكتمل بناء هذه الوحدات السكنية وسرعان ما تم هجرها عندما بدأ القتال في حلب قبل أن تصبح حاليا مأوى لمئات الأسر النازحة التي تنام على الأرضيات الخراسانية وتعلق الملاءات على الفتحات التي كان من المفترض أن تشغلها النوافذ.

وتقول روان، وهي موظفة في إحدى المنظمات الخيرية التي تتولى عملية توزيع الصدقات: «هنا أكثر دفئا والإقامة ليست سيئة للغاية. مع ذلك الظروف في الشتاء كانت صعبة جدا».

وتقدر الأمم المتحدة أن نحو 7 ملايين سوري مثل رجاء، من الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية من أجل العيش. وفي محافظة حلب وحدها نزح 1.4 شخص من منازلهم ويقيمون عند أصدقاء أو أفراد من العائلة أو في مخيمات اللاجئين التي تقام على عجل. وتحاول عدة منظمات صغيرة غير هادفة للربح مثل «مؤسسة جنا» التي تقدم الطعام لرجاء وأسرتها، مع منظمات أكبر مثل برنامج الغذاء العالمي، جاهدة من أجل الوصول إلى المحتاجين في سوريا لتقديم المساعدات لهم. وتقع حلب على مقربة من الحدود مع تركيا، لذا يعد توصيل المساعدات الغذائية سهلا من الناحية النظرية. ولكن السياسة تعرقل ذلك، فسوريا لا تزال دولة ذات سيادة في نظر الأمم المتحدة، وكل المنظمات التي تقدم المساعدات داخل البلاد بحاجة إلى تصريح من الحكومة السورية حتى تعبر بقوافلها الحدود. ومع ذلك خلال العام الماضي كان الجيش السوري الحر يسيطر على جزء كبير من الحدود التركية - السورية، وكانت حكومة الرئيس السوري بشار الأسد ترفض بإصرار عبور منظمات الإغاثة الحدود التي تسيطر عليها المعارضة.

وأوضحت لور تشادراوي، المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي في سوريا، لـ«الشرق الأوسط»: «علينا العمل بموجب القانون الدولي، لذا من أجل العبور بقوافلنا من تركيا إلى سوريا، يجب أن نحصل على تصريح من الحكومتين السورية والتركية، وكذا من المجموعات التي تسيطر على مناطق حدودية». والطريق البديل الذي يمكن للقوافل أن تسير فيه طويل وغير مباشر وخطير. ويوصل برنامج الغذاء العالمي المساعدات إلى سوريا إما عن طريق مدينة طرطوس الساحلية، التي يسيطر عليها النظام، وإما عبر طريق البر بين بيروت ودمشق. ومن هناك يمكن الانطلاق إلى باقي أنحاء البلاد.

وتعد منطقة الشمال الشرقي للبلاد هي التحدي الأكبر في الوقت الراهن، حيث من الصعب توصيل المساعدات إلى الأماكن المستهدفة على حد قول تشادراوي. وتشرح تشادراوي أن «الطريق من دمشق إلى حلب خطير جدا، وعلينا اجتياز ما يربو على خمسين نقطة تفتيش تخضع لسيطرة النظام وعدد من جماعات المعارضة للوصول إلى هناك. وكثيرا ما يستغرق الوصول إلى حلب من العاصمة السورية أكثر من عشرين ساعة». والطبيعة المتغيرة والمتحولة باستمرار للمشهد على الجبهة في سوريا تعني ضرورة أن تنتهز المنظمة الفرصة عندما يهدأ القتال لتتحرك بقوافلها من موقع لآخر. ومع ذلك هناك مخاوف أمنية أخرى، حيث تشير تشادراوي إلى اختطاف نحو 20 من شاحناتهم على أيدي عصابات إجرامية وهي تنقل المساعدات من مكان لآخر. وتقول: «عندما يحدث هذا نحاول التفاوض مع تلك العصابات لاستعادة الشاحنات. وأحيانا ينجح الأمر وأحيانا لا ينجح».

كذلك تم قصف مخازن مساعدات برنامج الغذاء العالمي في دمشق وحلب رغم أنه لا يمكن الجزم باستهدافها. أما بالنسبة إلى المنظمات غير الحكومية الأصغر، التي ليست لديها مصادر تمويل تكفي للتنقل عبر المناطق التي يسيطر عليها النظام، يمثل توصيل المساعدات داخل سوريا لها إشكالية أكبر. وروى رئيس جمعية خيرية صغيرة مقرها جنوب شرقي تركيا كيف اضطر إلى إدارة عمليتين، إحداهما في تركيا، تتعلق بالتبرعات والدعم اللوجيستي، والأخرى داخل سوريا تتعلق بالتوزيع. وقال رئيس الجمعية الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم نشر اسمه: «لا نستطيع نقل أي شيء عبر الحدود، لذا علي دفع مال للعاملين معنا داخل سوريا ليتمكنوا من شراء الطعام داخل البلاد. لدينا مخازن في سوريا، لكن علينا الإبقاء على سرية مواقعها حتى لا تستهدفها العصابات الإجرامية». وكذلك يكشف اختطاف شاحنات ضخمة خاصة بهم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.