سوريون يفرون من «داعش».. و يعلقون على الحدود التركية

أنقرة أغلقت كل المعابر بعد اندلاع معارك بين جهاديين وفصائل معارضة

سوريون عالقون على الحدود مع تركيا («الشرق الأوسط»)
TT

جلس أبو خالد على كرسيه المتحرك، ينظر إلى مسقط رأسه عبر السياج المعدني، ينتظر. كان ينتظر منذ أسبوع تقريبا، ولم يكن بمقدور أحد أن يعلم عدد الأيام التي يمكن أن يقضيها في مكانه على هذه الحال.

كانت مسامير التيتانيوم المثبتة في رجله اليسرى نتيجة الجراح لا تزال تبدو حديثة، لكنه أكد أنه لا يكترث لذلك، لأن كل ما كان يرغب فيه هي العودة إلى منزله، ويقول: «لا أريد سوى العودة إلى عائلتي».

كان المئات من السوريين ينتظرون في معبر أكشاكالة (التركي) على مدى الأسبوعين الماضيين، أملا في أن تفتح الحدود حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم. كل منهم يحمل قصة شبيهة بقصة أبو خالد.

بعد الحدود التي تفصلها الأسلاك الشائكة تقع بلدة تل الأبيض (السورية)، التي شهدت صراعا مسلحا خلال العام الماضي لتدخل بعده في حالة من الاستقرار، بعد سيطرة المعارضة السورية عليها.

ظل المعبر مفتوحا وعاد سكانها إلى حياتهم الطبيعية التي يشوبها التوتر. ويقول أحد مقاتلي المعارضة الذي قضى سبعة أشهر في حراسة الحدود: «تعبر نحو ألف أسرة الحدود كل يوم. كان الناس يجلبون الشاي والسجائر من سوريا لبيعها في تركيا، تماما كما كانوا يفعلون دائما. كان النساء والرجال وكذلك الشباب والأطفال يعبرون الحدود ذهابا وإيابا في اليوم نفسها».

لكن العام الجديد كان صادما لسكان تل الأبيض، ففي 11 يناير (كانون الثاني) الحالي، اتسعت رقعة الصراع بين «الجبهة الإسلامية»، التي تضم تحالف كتائب المعارضة السورية، و«الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)»، ووصلت إلى شوارع المدينة. وهو ما تسبب في فرار كثير من سكانها إلى بلدة أكشاكالة التركية الصغيرة هربا من قصف النظام وكثافة القتال.

وعقب ثلاثة أيام من القتال انتهت باستيلاء «داعش» على تل الأبيض، يبدي السوريون شغفا بالعودة إلى منازلهم، على الرغم من وقوع المدينة في قبضة الميليشيا التي تثير خوف وكراهية الجميع. لكن الجانب التركي من الحدود لا يزال مغلقا ولا يزال أهالي تل الأبيض عالقين في مدينة أكشاكالة.

كان أبو خالد كسرت رجله أثناء تعرض منزله للقصف، ونقل على أثره إلى تركيا لتلقي العلاج.. لكن علاجه انتهى الآن ولا يرغب سوى بالعودة إلى منزله: «لا تزال زوجتي وأطفالي هناك. أنا لا أكترث بمن يسيطر على البلدة».

على أطراف مدينة أكشاكالة أقيم معسكران للاجئين يقيم فيهما مئات السوريين الذين فروا من جحيم القتال في مناطق أخرى من سوريا خلال العامين الماضيين. وكان المخيمان مكتظين بالفعل عندما اندلع القتال حول تل الأبيض، ولذا كان السوريون الذين وصلوا أخيرا عالقين في مدينة أكشاكالة لا يعلمون إلى أين يتوجهون. ويقول أحد سكان البلدة الأتراك: «نستضيف السوريين في منازلنا، لكننا لا نستطيع التعامل معهم جميعا لأن عددهم كبير للغاية. البعض منهم ينام الآن في الحدائق والمساجد»، وأشار إلى أن عائلة مكونة من خمسة عشر فردا تقيم معه في منزله، وأنه يحضر كل يوم إلى المعبر ليسأل حرس الحدود الأتراك عن توقيت فتح المعبر مرة أخرى. وقال: «قالوا لي يجب أن نحصل على أوامر من قادتنا قبل أن نعيد فتح المعبر». تتكرر القصة ذاتها على طول الحدود، فقد شهد الأسبوع الماضي انفجار سيارتين مفخختين في معبري جرابلس وباب الهوى، وأوقفت ثم قتلت انتحارية الأحد في معبر باب السلامة. لكن الاستعدادات لمحادثات «جنيف2» للسلام في سوريا، جعلت الوجه السياسي للصراع السوري مهيمنا على عناوين الأخبار، تاركة الأنباء الخاصة بالهجمات مجرد إشارات في وسائل الإعلام الدولية.

ولكن آثار الهجمات على السوريين الذين تقطعت بهم السبل في تركيا، كانت مدمرة. فعندما اندلعت الحرب، تحولت هذه المعابر إلى شريان الحياة للسوريين في المنطقة الحدودية، وعندما وقعت المعابر تحت سيطرة كتائب الثوار أبقتها الحكومة التركية مفتوحة، بما يسمح لقوافل المساعدات بالعبور إلى سوريا وتدفق اللاجئين في الاتجاه الآخر. ولكن كل المعابر أغلقت من قبل الحكومة التركية بعد اندلاع القتال بين «الجبهة الإسلامية» و«داعش». ولم تتقطع السبل بالسوريين فقط في تركيا، بل امتدت إلى العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية الذين لم يتمكنوا من عبور الحدود إلى البلاد، وعلى الجانب التركي من معبر باب السلامة، اصطفت شاحنات الحاويات المتجهة إلى سوريا في صفوف تمتد لعدة كيلومترات بحلول مساء الأحد.

بدأت الشائعات مع اقتراب المساء في أكشاكالة بأن المعبر سيفتح.. ولكن أيًّا ما كان مصدر هذه الشائعة، إلا أنه اتضح في النهاية أن الشائعة غير صحيحة. وقال أحد الرجال وهو يركض عائدا إلى الحشد: «ربما في وقت لاحق هذه الليلة. وبدا العشرات منهم مستعدين للانتظار ساعات أطول ويأملون، مع غياب ضوء الشمس».

اعتاد السوريون على الانتظار، ينتظرون فتح الحدود وانتهاء الصراع. لكن تلك الليلة في أكشاكالة ازدادت حدة التوتر. وقال أحدهم، والغضب يرتسم على وجه: «نريد لهذا أن ينتهي، لأننا نريد أن تفتح الحدود، نحن لا نريد جميعا سوى العودة إلى بيوتنا».