الشيخ رفعت.. من مجرم بنظر نظام الأسد إلى قاض شرعي في المناطق المحررة

أنشأ جبهة التحرير الإسلامية قبل 3 أشهر كجهة يمكن اللجوء إليها لتسوية نزاعاتهم وفق الشريعة الإسلامية

الشيخ تل رفعت يحكم في نزاعات الناس («الشرق الأوسط»)
TT

اتكأت آلاء جليمة على الحائط تضم إليها ابنتها الصغيرة، فهذه هي المرة الثانية خلال ستة أشهر التي تبيت فيها هي وأبناؤها السبعة من دون مأوى، في البداية سوت قذائف جيش النظام السوري منزلهم بالأرض، ثم طردهم جنود الجيش السوري الحر من مستودع الخردة الذي لجأوا إليه.

تقول: «قالوا لي إن صاحب المستودع السابق كان من الشبيحة، لذا ألقوا بنا في الخارج واستولوا على الفراش والبطاطين. كان المفترض أن يؤمنوا لنا الحماية لا أن يسرقونا».

آلاء جليمة واحدة من العشرات الذين حضروا يوم الاثنين المشمس طلبا للعدالة، إلى المدرسة القديمة في منطقة الهايا في حلب، التي تحول مبناها الآن إلى مقر لجبهة تحرير سوريا الإسلامية، ويديرها الشيخ تل رفعت، الذي يتنقل مسرعا من غرفة إلى أخرى لإتمام إجراءات الزواج والطلاق والفصل في النزاعات القانونية والقضايا الجنائية. استوقفته آلاء جليمة أثناء مروره بها في البهو وروت له القصة. ووعدها قائلا: «سنعاقب من قام بذلك، سيخضعون للمحاكمة وسوف نوفر لك بطاطين جديدة».

كان الشيخ تل رفعت، شيخا ذا مكانة رفيعة، أما بالنسبة لنظام الأسد فقد كان مجرما، حيث تعرض للاعتقال والسجن ثلاث مرات لمعارضته النظام. لكنه الآن يملأ هو ورجاله الفراغ الذي يشهده القانون والنظام الذي تركته قوات الأسد الأمنية بعد انسحابها من هذه الضاحية في حلب.

أنشأ الشيخ رفعت جبهة تحرير سوريا الإسلامية قبل ثلاثة أشهر كجهة يمكن لأفراد المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوري الحر الحضور إليه لتسوية نزاعاتهم وفق الشريعة الإسلامية. كما أقام أيضا قوة شرطة مدنية إسلامية، تضم وحدة رد سريع للتعامل مع أي حوادث إجرامية في هذا الجزء من المدينة.

كانت كل أطياف مجتمع حلب حاضرة هنا، شباب ينتظرون الزواج إلى جانب أزواج أتوا طلبا للطلاق. وعشرات النساء الأرامل وإلى جانبهن أطفال صغار ينتظرن في هدوء أثناء توجه الرجال إلى غرفة الصلاة بعدما رفع الأذان.

وفي غرفة خصصت لتحقيقات الشرطة، يستجوب أحمد الذي كان جنديا سابقا في قوات الأسد، رجلا متهما بسرقة مال من جاره. انضم أحمد إلى صفوف المعارضة قبل عام، لكنه لم ينس مهاراته التي تعلمها أثناء عمله ضمن قوات النظام. أصر المتهم على أنه بريء، لكن أحمد لم يكن مقتنعا. ومع احتدام المناقشة علا صوته، ليوضع الرجل بعد ذلك في سجن مؤقت في قبو المبنى، حيث سيتواصل التحقيق معه.

لكن الشيخ رفعت كان حريصا على توضيح أن النظام القضائي يختلف عما كانت تفعله قوات الأسد، فيقول: «أثناء حكم قوات الأسد لم يكن المسؤولون الأمنيون يغادرون مكاتبهم أو يبذلون جهدا في الخروج أو الحديث إلى الأفراد، لكننا الآن نشاهد عشرات الأفراد يوميا، وأحيانا مائة وفي بعض الأحيان خمسمائة».

في غضون الأشهر الماضية تعهدت فصائل مختلفة من الجيش الحر رسميا بتقديم الدعم والرجال لمشروع الشيخ تل رفعت.. فمدخل المبنى يخضع لحماية مقاتلين تابعين للجيش السوري الحر يحملون بنادق «الكلاشنيكوف»، بينما يقوم آخرون بدوريات داخل البهو. ويبدو واضحا أن نظاما جديدا للحكم قد خرج من رحم الفوضى التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية.

هناك قلق من أن يشكل الوجود المتزايد للمجموعات الأكثر تشددا مثل جبهة النصرة السلفية تحديا أمام هذا النظام القضائي الجديد واستقرار سوريا والمنطقة بشكل أوسع خلال السنوات القليلة القادمة. لكن بالنسبة للوضع الراهن يقول الشيخ تل رفعت: «لا توجد روابط بيننا، فجبهة النصرة ليست جزءا من هذا المشروع، ونحن لسنا نظاما دينيا أكثر تشددا. نحن لا نعاقب الأفراد الذين لا يصلون، بل نحاول أن نعلمهم بطرق إسلامية».

وخلال التفاته للحديث للشخص الثاني في الصف، لخص وجهة نظره بشأن هذا المشروع قائلا: «نحن ندير نظاما شرعيا، لكننا معتدلون، هذا المكان أنشئ لخدمة الجميع».