قائد لواء التوحيد: لم أعرف استخدام البندقية قبل الثورة

حجي مارع في حلب: لم يساعدنا أحد سوى جبهة النصرة

الحاج مرعي قائد لواء التوحيد التابع للجيش السوري الحر («الشرق الأوسط»)
TT

ليس من السهل تناول كوب من الشاي مع قائد لواء «التوحيد» التابع للجيش السوري الحر حجي مارع، الذي اتصل في التاسعة مساء ليقول إنه لديه ساعة واحدة فقط لإجراء حديث صحافي، ولكن قبل أن يجلس في مقر اللواء، تم استدعاؤه مرة أخرى، وعندما عاد بعد مرور ساعة، اعتذر قائلا: «كان لدي اجتماع آخر». ولم نتمكن من إجراء الحوار معه إلا في منتصف الليل تقريبا.

وكان مارع يعمل تاجرا قبل عامين، ولكنه بات الآن أقوى رجل في المعارضة في مدينة حلب السورية، ويترأس أكثر من ثمانية آلاف رجل. ويقول مارع إنه لا يعلم ما الذي حدث حتى يجد نفسه في هذا الموقع، مضيفا: «لست أعرف كيف انتهي بي المطاف في هذا الموقع، ولم أكن أعرف كيف أستخدم البندقية قبل اندلاع الثورة، وكانت المرة الوحيدة التي حملت فيها سلاحا أثناء خدمتي العسكرية».

قصة مارع هي قصة الثورة التي تشهدها مدينة حلب، فعندما اندلعت الاحتجاجات في تلك المدينة، كان مارع من أوائل المنضمين إليها، وعن ذلك يقول: «اعتقدت أن الرئيس السوري بشار الأسد سيلقى مصير الرئيس المصري السابق حسني مبارك، واعتقدت أنه سيرحل عندما يعلم أن شعبه لا يريده، وظللنا نحتج لمدة سبعة أشهر كاملة من دون حمل السلاح».

ومع ذلك، لم يرحل الأسد، ولذا اضطر مارع أن يحمل السلاح على مضض، ويقول: «في البداية كنا نحمل السلاح للدفاع عن أنفسنا وعن عائلاتنا، ولم نكن نريد أن نحمله، ولكننا اضطررنا إلى ذلك بعدما قتلت قوات النظام كثيرا منا. وبعد ذلك، نظمنا أنفسنا في مجموعات، ثم تحولت تلك المجموعات إلى كتائب، ثم اتحدنا سويا بمرور الوقت». ويعد لواء التوحيد هو أكبر الوحدات وأكثرها تنظيما في مدينة حلب. وفي الأيام الأولى للقتال، كان الجيش السوري الحر عبارة عن قوة تتسم بالفوضوية، ولكنه الآن، حسب تصريحات مارع، يقوم ببناء أنظمة داخلية لمراقبة سلوك مقاتليه. وقال مارع إن الجيش السوري الحر قام بطرد 3 كتائب قبل أسبوعين من الآن «لأنهم كانوا غير منظمين وكانوا يسيئون استخدام مركزهم، ولذا حصلنا على أسلحتنا منهم مرة أخرى. ولدينا أيضا سجن لاحتجاز من يقوم بعمل خاطئ».

ويسيطر لواء التوحيد، الذي يتخذ من إحدى المدارس المهجورة مقرا له، على نحو 60 في المائة من المدينة، ويقاتل الآن من أجل السيطرة على مطار حلب ومحطة الشرطة الرئيسية وسجن المدينة. ويقول مارع: «نحاصر المطار بشكل كامل الآن، وهو ما يعني أن النظام لن يتمكن من إطلاق طائراته المقاتلة من هناك. لو تمكنا من السيطرة على المطار، فستكون هذه هي نهاية النظام في حلب».

ومع ذلك، لا يقاتل لواء التوحيد بمفرده، ولا يستطيع أن يقوم بذلك، فعلى مسافة قريبة من مقر اللواء، أقامت جبهة النصرة – وهي القوة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا – مقر لها في حلب. ويعترف مارع بأن جبهة النصرة قد أضافت إلى قوة المعارضة في المدينة، مضيفا: «إنهم مقاتلون شجعان للغاية، ونحن نعمل إلى جانبهم في الخطوط الأمامية للمعركة. ومع ذلك، نحن نتفق معهم من الناحية العسكرية، وليس من الناحية السياسية».

وعندما سئل عن المشكلات التي قد تتسبب فيها جبهة النصرة في المستقبل، سواء في سوريا أو في المنطقة برمتها، تهرب مارع من الإجابة وقال: «لم يأت الغرب لمساعدتنا. لم يأت أحد سوى جبهة النصرة، ولذا سوف نقاتل إلى جانبهم».

تؤكد نيران القصف المدفعي، مع عمود الدخان المتصاعد من المطار باستمرار، وصف حجي مارع للوضع الحالي في حلب. يقصف لواء التوحيد المطار بقذائف الهاون ليلا ونهارا. مع ذلك تقف قوات المعارضة على الخطوط الأمامية مكتوفة الأيدي. ويقول مارع: «الذخيرة تنفد منا، لذا الجمود هو سيد الموقف في الوقت الحالي. نحن نحاول التكهن بعدد الطائرات المقاتلة التي يمتلكها النظام هناك، لكن حتى إذا استطعنا التقاط صور ومقاطع مصورة، ليس بإمكاننا رؤية الكثير. لذا لا يمكننا توقع المدة التي سنستغرقها حتى نسيطر على المطار». لقد عانى الناس الذين يعيشون في الأحياء التي تسيطر عليها قوات المعارضة في حلب من قصف المدفعية لأشهر قبل أن يتحول القصف إلى المطار.

ولم تنته معاناتهم إلى الآن، بل قد تكون قد ازدادت حدة. وخلال الأسبوع الماضي بدأت قوات الأسد في مهاجمة المدينة بصواريخ من طراز «سكود»، الذي يودي كل منها بحياة كثيرين في المرة الواحدة. ويقول حجي مارع: «إنهم يقومون بهذا لأنه لم يعد بمقدورهم استخدام طائراتهم في قصف حلب. إن هذا هو ملجأهم الأخير. الشيء الوحيد الذي يمكنهم استخدامه بعد صواريخ الـ«سكود» هو الأسلحة الكيميائية». كذلك يعتقد أن النظام يستخدم صواريخ الـ«سكود» سلاحا نفسيا لإضعاف معنوياتهم. ويضيف: «إنهم يريدون أن ينقلب أهل حلب على الثورة. سيقولون إنهم يهاجمون المدنيين لأننا إرهابيون، لكنني أعلم أن أهل حلب يدعموننا».

على الجانب الآخر كانت هناك مؤشرات خلال الأيام القليلة الماضية تدل على استعداد كل من النظام والمعارضة إلى التفاوض من أجل إنهاء الصراع في سوريا، لكن حجي مارع يصر على أن أوان المحادثات قد فات. ويوضح قائلا: «لم أعلق على أي من هذا حتى هذه اللحظة، لكنني أقول لك إن التفاوض مع بشار الأسد ونظامه أمر مستحيل. فقد تمادى كثيرا». وبينما ينهي كوب الشاي أخذ يتحدث عما سيحدث في سوريا بمجرد انتهاء الحرب. ويرى أنه من المحال أن تعود الحياة لما كانت عليه في السابق سواء بالنسبة إليه أو بالنسبة إلى بلده. ويقول: «حتى بعد أن ينتهي القتال، الثورة لن تنتهي. سنظل نعمل من أجل بناء نظام جديد وبلد جديد. بالنسبة لي، ربما أعود إلى حياتي الطبيعية، لكن أعتقد الآن أن هذا سيكون مستحيلا. وعندما ينتهي كل هذا سأنام لمدة شهر، ثم سأصطحب زوجتي وابني إلى جزيرة للاسترخاء». ولم يلبث أن أنهى جملته، حتى انفجر ضاحكا، فهو يعلم جيدا أن هذا ضرب من ضروب المستحيل.