البحث عن المجد ولقمة العيش يدفع شباب سوريا إلى «جبهة النصرة»

بعد أن بات السفر إلى لندن مستحيلا.. يحلم يوسف بالالتحاق بصفوف المتطرفين

أطفال ومسلحون يتفقدون موقعا بعد أن قصفته القوات النظامية السورية في حلب (صورة خاصة بـ«الشرق الأوسط»)
TT

بدأت صداقتنا منذ اليوم الذي التقينا فيه، كان ذلك في فبراير (شباط) وكنت قد وصلت إلى حلب ذلك اليوم، وافدة جديدة إلى الحرب السورية. صدمتني فداحة الفوضى والإحساس بالخطر الجسيم الذي يلف المدينة مثل مزيج من الدخان والضباب. سألت نفسي، لماذا اخترت القدوم إلى هنا من بين كل الحروب في العالم؟ لقد ارتكبت خطأ بالحضور، وتساءلت إن كان بمقدوري العودة من حيث أتيت دون أن أتسبب في إيذاء الأشخاص الذين أحضروني إلى هنا.

لكن في تلك اللحظة دخل يوسف إلى الغرفة التي كنت أنتظر فيها انتابني حينها شعور بأن الأوضاع ستكون على ما يرام. كان وجهه يشع بالدفء والبسمة التي لا تفارقه، ممتزجة بحيوية الشباب والذي يجعل من المستحيل على أي شخص ألا يحبه. في ذلك المساء شربنا المشروبات الغازية وضحكنا بهسترية ورقصنا على أنغام الموسيقى الصاخبة ودوي طلقات المدافع تهدر من بعيد. بعد أن تركت حلب استمر تواصلنا وعند عودتي إلى المدينة بعد شهرين أردت أن أزوره أولا. كانت ابتسامته اللامعة لا تزال تعلو وجهه واستقبلني بنفس العناق الدافئ الذي أتذكره.

لكن أمرا ما تغير في يوسف هذه المرة. وبينما كنا نقود السيارة في شوارع حلب للعثور على مكان لشراء الكباب قال لي إنه تقدم للانضمام إلى جبهة النصرة، الجبهة المتطرفة التي أعلنت تحالفها مع تنظيم «القاعدة» قبل بضعة أسابيع. قال لي بابتسامة مشيرا بعلامة النصر: «القاعدة جيدة. أتمنى أن يقبلوني وأن أقوم في يوم ما بتفجير انتحاري في المنطقة التي يسيطر عليها النظام».

خلال مرورنا في الشوارع التي دمرها قصف النظام السوري روى لي أسباب رغبته في الالتحاق بكتائب النصرة. أولها الراتب الشهري الذي يصل إلى 11.000 ليرة سورية، أجر تافه بالنسبة لانتحاري محتمل، ولكنه يكفي لإغراء شاب في الثامنة عشرة من العمر عالق بين البطالة والفقر، وتعطل عن الدراسة. حكى لي إنه يحلم بالسفر إلى لندن، قائلا: «أود أن أسافر خارج سوريا لأحقق ذاتي. ولكن كيف يمكن أن أفعل ذلك من دون المال وجواز السفر؟ ربما أتمكن من الحضور إلى لندن والنوم على الأرض في منزلك. إن لندن هي مدينة عظيمة». رديت عليه قائلة إن الانتحاريين نفذوا عمليات تفجير في لندن قبل ثماني سنوات، قتلت العشرات من الأبرياء. لماذا يريد أن يفعل الشيء نفسه في سوريا؟ يوسف لوح يديه، بذهول «كلا، كلا إن من قاموا بعمليات التفجير في لندن ليسوا من تنظيم القاعدة. وأنا لا أريد القيام بهذا. سأفجر قنبلة في حاجز تفتيش تابع للنظام. إذا فعلت ذلك في سوق وقتلت أناسا عاديين فسوف يبدأ الجميع في كراهية القاعدة وسيطردونهم من سوريا».

وعندما سألته عن آراء أصدقائه بقراره، أخبرني أن عائلته كانت تعيش في منطقة مسيحية من المدينة لا تزال خاضعة لسيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد، وعندما قتل عمه وجده بسبب تأييدهما للمعارضة فر مع والديه إلى المنطقة التي يسيطر عليها الثوار من المدينة. لكن أصدقاءه وبقية عائلته لا يزالون في حيه القديم ولا يزالون يدعمون الحكومة. وأضاف: «ما زلت أتواصل معهم بين الحين والآخر، فآباؤهم يعملون ضمن قوات النظام، ولذا فهم يدعمونه أيضا. وقد أخبرت أحد زملائي أنني أستطيع مساعدة والده على الهروب لأني لا أريد أن أضطر إلى قتله يوما ما، لكنه رفض. عندما أقتلهم سيكون ذلك انتقام لما جرى لعمي وجدي».

بعد ذلك أخبرني يوسف أنه لا يثق في كتائب المعارضة الأكثر علمانية، وقال: «غالبيتهم من المجرمين، لكن عناصر جبهة النصرة يقاتلون بحماسة، وأصلحوا كثيرا من الأشياء في حلب. وأنا على يقين من أنهم قادرون على تحسين الأوضاع بشكل أفضل هنا».

وبينما أتفحصه في قميصه من ماركة «غوتشي» الإيطالية وسرواله الجينز وقصة شعره الحديثة، وجدت صعوبة في تخيله في لباس المتطرف. سألته: هل ستطلق لحيتك؟ قال لي «أتعلمين، أنا على يقين من أنهم لن يقبلونني. فأنا متحرر للغاية، لكن قد يعتقدون أنني ذو فائدة بالنسبة لهم، لأنني ما زال بإمكاني الدخول إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام لذا يمكنني نقل الأسلحة لهم هناك».

وصف يوسف عملية تقديم للالتحاق بـ«جبهة النصرة» تبدو أقرب إلى التقديم للعمل بشركة دولية. فقام يوسف عبر صديق لبناني بتسجيل اسمه في قائمة المتطوعين، وينتظر دوره لإجراء مقابلة مع أحد قادة جبهة النصرة. وفي الوقت الراهن تقوم الجماعة بتفتيش صفحته على موقع «فيس بوك»، وقال لي: «إنهم لا يقبلون أي متطوع، ينبغي أن تكون ملتزما دينيا». وقد أعطتهم الصورة التي تجمعنا سويا في حلب سببا للقلق. وشرح أن نتيجة لذلك «أخبروني أنني لست مستعدا بعد. يجب أن أنسى الماضي وأتوقف عن الاختلاط بالنساء».

بعد أن تناولنا الطعام وتبادلنا تحية الوداع وقبلته على وجنتيه، تساءلت هل سأتمكن من فعل ذلك مرة أخرى إذا التقيته. آمل ألا تجعله حماسته وشبابه وتعطشه للانتقام، الجندي المثالي الذي تبحث عنه جبهة النصرة. والأهم مما آمل هو أن تنتهي هذه الحرب سريعا حتى تعود حلب مرة أخرى إلى الحياة ويشعر الناس بالأمل في المستقبل من جديد. وحتى يحدث هذا لن يكون لدى جبهة النصرة غضاضة في قبول أمثال يوسف من الشباب الذين يشعرون بأنهم لا ملجأ لهم.