«الانتقالي» يهدد النيجر بعد منحها نجل القذافي اللجوء.. ويعتبره رسالة فرنسية مبطنة للإسلاميين

بلحاج يخلع زيه العسكري لأول مرة منذ 8 أشهر

TT

قالت مصادر في المجلس الوطني الانتقالي الليبي لـ«الشرق الأوسط»، إن إعلان الرئيس النيجري محمد يوسف، أول من أمس، عن منح بلاده حق اللجوء السياسي لأسباب إنسانية إلى الساعدي، أحد أبناء العقيد الراحل معمر القذافي، يعكس بالأساس تذمر بعض العواصم الغربية خاصة باريس من محاولات الإسلاميين السيطرة على السلطة في ليبيا بعد الإطاحة بنظام القذافي ومقتله الشهر الماضي.

وأوضحت المصادر التي طلبت عدم تعريفها، في اتصال هاتفي من مدينة بنغازي معقل الثوار، أن حكومة النيجر ما كانت لتجرؤ على تحدي المجلس الانتقالي والمجتمع الدولي بهذا القرار من دون الحصول على فيتو أخضر من فرنسا، مشيرة إلى أن حكومة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تستهدف إرسال رسالة مبطنة إلى المجلس الانتقالي والثوار بعدم رضاها عن الوضع السياسي الراهن في ليبيا. ولفتت إلى أن فرنسا التي تعهدت في السابق بالضغط على حكومة النيجر وإقناعها بتسليم الساعدي توقفت عن ممارسة هذه الضغوط، وأبدت تساهلا نحو منح نجل القذافي وضعية اللجوء السياسي لتفادي تسليمه إلى المجلس الانتقالي. واعتبرت أن الموقف الفرنسي يمثل علامة على رفض فرنسا لمساعي الإسلاميين في ليبيا للقفز على الحكم واستغلال الفراغ السياسي الراهن.

وقال مسؤول مقرب من المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، لـ«الشرق الأوسط»، إن حكومة النيجر بهذا الموقف تكون قد أخذت موقفا معاديا من الشعب الليبي، وسيتعين عليها لاحقا دفع ثمنه سياسيا واقتصاديا، لكنه لم يوضح طبيعة هذا التهديد المبطن. وأضاف «بطبيعة الحال لسنا راضين عن موقف حكومة النيجر، لقد رفضوا تسليم الساعدي ووفروا له الحماية رغم ما قدمناه من أدلة وبراهين على أنه متورط في قضايا تمس الشعب الليبي.. سيكون لنا موقف مع هذه الدولة في القريب العاجل».

وكان رئيس النيجر قد أعلن في ختام زيارة إلى جنوب أفريقيا أن بلاده وافقت على منح الساعدي القذافي اللجوء لأسباب إنسانية، مشيرا إلى أن سيف الإسلام، النجل الآخر للقذافي، ليس موجودا في النيجر. ولجأ الساعدي القذافي (38 عاما) إلى النيجر خلال شهر أغسطس (آب) المنصرم لدى سقوط طرابلس الذي أنهى نظام والده الاستبدادي الذي استمر 42 عاما.

وتلاحق السلطات الليبية الجديدة الساعدي الذي تتهمه «بترهيب الناس والاستيلاء على أموال عندما كان يتولى إدارة الاتحاد الليبي لكرة القدم»، كما يقول الإنتربول، علما بأن الساعدي لاعب كرة القدم، حاول اختيار مهنة جديدة في إيطاليا لكنه لم ينجح، ثم ترأس إحدى وحدات النخبة في الجيش الليبي.

والنيجر عضو في المحكمة الجنائية الدولية التي تتخذ من لاهاي مقرا لها، ويتعين عليها رسميا تسليم سيف الإسلام إذا وصل إلى أراضيها، فيما تقول المحكمة إنها على اتصال غير مباشر مع سيف الإسلام لمناقشة تسليم نفسه. ولا يعرف بعد المكان الحقيقي لوجود نجل القذافي الهارب، وفيما يسود اعتقاد واسع الناطق بأنه ما زال يوجد في أعماق الصحراء الليبية برفقة بعض الموالين له، فإن مصادر ليبية قالت في المقابل لـ«الشرق الأوسط» أمس إنه ربما يكون في مكان ما بالنيجر من دون علم حكومتها، لكن بحماية بعض قبائل الطوارق الذين ارتبطوا في السابق بعلاقات وطيدة مع نظام أبيه القذافي.

ومن المتوقع أن يؤدي منح اللجوء السياسي للساعدي القذافي إلى توتر العلاقات المضطربة بالفعل بين النيجر وحكام ليبيا المؤقتين الذين أطاحوا بالقذافي بعد انتفاضة استمرت ثمانية أشهر ويريدون كلا من الساعدي وسيف الإسلام لمحاكمتهما بشأن ارتكاب أعمال وحشية مزعومة. وشكك محمد العلاقي، وزير العدل الليبي المؤقت، في أسباب النيجر لمنح اللجوء للساعدي لأسباب إنسانية، قائلا إنه عادة ما يتم منح اللجوء لأشخاص يواجهون الاضطهاد في بلادهم.

وقال العلاقي في تصريحات تلفزيونية مساء أول من أمس «نحن نعرف أسباب منح اللجوء الإنساني عندما يكون الإنسان في اضطهاد في بلده، لكن الساعدي هو من مارس الاضطهاد وحرض على القتل، وهو متهم باغتيال لاعب الاتحاد الطرابلسي والمنتخب الوطني بشير الريان، وهناك أدلة وقرائن قوية أنه متورط في ذلك».

وبدا أمس أن الإسلاميين في ليبيا يسعون لتغيير الانطباع السائد عنهم، حيث تخلى عبد الحكيم بلحاج مسؤول المجلس العسكري للعاصمة الليبية طرابلس للمرة الأولى أمس عن زيه العسكري الذي لازمه منذ اندلاع الثورة الشعبية ضد القذافي في شهر فبراير (شباط) الماضي. وظهر بلحاج، وهو أبرز القيادات في تنظيم الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة سابقا، في مظهر جديد مرتديا بدلة غربية وقميصا من دون ربطة عنق، وهو يستقبل مجموعة من الصحافيين الغربيين بطرابلس، حيث نفى ترشيحه لشغل حقيبة الدفاع في الحكومة الجديدة التي يعكف رئيسها عبد الرحيم الكيب على تشكيلها حاليا. وقال بلحاج الذي اعتقل بعد مشاركته في القتال إلى جانب طالبان الأفغانية ثم أعيد إلى ليبيا عام 2004 حيث سجن حتى العام الماضي، إنه لا يتوقع القيام بدور في الحكومة الجديدة، وقال إنه ليست لديه الرغبة في المشاركة في أي شيء خلال هذه الفترة الانتقالية. وأضاف أنه يريد خدمة بلاده بكل القوة والقدرة التي يملكها، لكن الوقت ما زال مبكرا لاختيار المكان والكيفية لذلك.

ومع أنه جدد التأكيد على تعرضه للتعذيب على يد المخابرات المركزية الأميركية وعلى يد المخابرات الليبية، فإنه قال إنه لا يسعى للانتقام لأن الانتقام ليس أسلوبه، لكنه في الوقت نفسه قال إن لديه محامين يعملون على متابعة شكاواه، مضيفا أنه ليست لديه مشاعر سلبية تجاه هذه الدول.

وقلل بلحاج من المخاوف التي تتحدث عن وجود تطرف في بلاده، معتبرا أن الليبيين وسطيون في إسلامهم، وأن الشعب الليبي يريد بناء دولة قانون يسود فيها العدل والحرية والمساواة.

ومن ناحيته، قال الكيب إنه ليس ثمة مكان لمن وصفهم بالمتسلقين وأعوان رمز نظام القذافي، في تشكيلة الحكومة الجديدة. وأضاف الكيب في كلمة ألقاها ببنغازي مساء أول من أمس أن حكومته المرتقبة ستكون صريحة في كل شيء، لكنه حث في المقابل الليبيين على عدم «توقع المعجزات». وتابع «نحن أمام مرحلة جديدة حساسة وتاريخية هي اختبار لعزيمتنا، وينبغي أن تكون مصلحة ليبيا فوق أي اعتبار جهوي أو شخصي».

من جهة أخرى، قالت وكالة «سيفن دايز» الإخبارية الموالية لنظام القذافي، إن أحمد إبراهيم أحد كبار المسؤولين السابقين في نظام القذافي تعرض مؤخرا للتعذيب في محبسه بمدينة مصراتة على أيدي الثوار، مشيرة إلى أنه لم يعد قادرا على القيام أو المشي. وتولى إبراهيم عدة مناصب قيادية في الحكومة والبرلمان خلال عهد القذافي الذي تربطه به صلات قبلية وعائلية، قبل أن يعتقل مؤخرا في مدينة سرت خلال المعارك الطاحنة التي خاضها الثوار ضد قوات القذافي.

ومن جهة أخرى، وفي إشارة إلى استمرار المخاطر الأمنية وعدم انضباط الثوار وإخفاق مساعي المجلس الانتقالي في كبح جماحهم، اندلعت أمس مجددا اشتباكات مفاجئة للمرة الثانية على التوالي بين جماعتين من الثوار الليبيين، مما أسفر عن مصرع اثنين منهم قرب طرابلس. وقال عدة مقاتلين من المناهضين للقذافي من مدينة الزاوية الساحلية إن اثنين على الأقل من رفاقهما قتلا بنيران مجموعة قبلية مسلحة كانت تسيطر على منطقة في المايا الواقعة بين الزاوية والعاصمة، علما بأن اثنين أيضا على الأقل قتلا أول من أمس بعد اندلاع التوتر بين الجانبين.

ومع تواصل إطلاق النار، قال نضال العكروت، وهو مقاتل من الزاوية مؤيد للمجلس الانتقالي، لوكالة «رويترز»، إن اثنين من أفراد وحدته قتلا، فيما قال مقاتل آخر من الزاوية يدعى عصام الترهوني عبر الهاتف إنه شاهد ثلاثة قتلى على الأقل.

وتبادل الثوار الاتهامات في ما بينهم حول المتسبب في اندلاع هذه المواجهات غير المتوقعة بين رفقاء السلاح سابقا، الأمر الذي يثير المخاوف من أن تؤدي خصومات قبلية وتأييد ما زال قائما لمعمر القذافي إلى تبدد هدوء ما بعد الحرب.