بعد أن قطعوا طريق الحرية بشجاعة.. الليبيون يتطلعون نحو الديمقراطية بحذر

مراقبون دوليون: التحديات اللوجستية للانتخابات في ليبيا.. أكبر بكثير منها في تونس

TT

في مكتب ممتلئ بالشعارات الثورية، والذي يعد جزءا من مجمع سكني تمت مصادرته في طرابلس كان يسكنه رفاق معمر القذافي من قبل، جلس محمد الزنتاني، قائد الثوار، يتأمل مستقبله. وقال، بينما كان لا يزال يرتدي زيه الرسمي ويعبث بلحيته الكثيفة التي نمت في ساحة المعركة: «إنني أفكر في تشكيل حزب سياسي»، وأضاف مؤكدا على أنه سيجري محاكمات عادلة للموالين للنظام السابق الذي حارب للإطاحة به: «وستكون ركيزتاه الأساسيتان هما العدالة الاجتماعية والديمقراطية».

وفي الخارج، قام الثوار الشباب الذين يقودهم بتمزيق علم القذافي الأخضر وفصل سلاسل المدافع الثقيلة بشكل سريع، وهو ما ينبه إلى أن سياسيي ليبيا الجدد يخرجون من موقف مضطرب ومتقلب.

ودعا الزعماء الليبيون المؤقتون إلى عقد انتخابات برلمانية في البلاد بنهاية يونيو (حزيران) القادم. ومؤخرا، قال محمود جبريل، رئيس الوزراء أثناء وضع هذا الجدول الزمني، إنه يجب الانتهاء من هذه العملية سريعا وذلك لتجنب حدوث فراغ في السلطة. غير أن آخرين يخشون من أن تكون فترة الثمانية أشهر غير كافية للتحضير للانتخابات في دولة لم تشهد انتخابات منذ ما يزيد على أربعة عقود.

فما من قوائم ناخبين أو دوائر انتخابية أو قواعد لمن يريد الترشح، كما لا يفهم كثيرون معنى حزب سياسي، في دولة كان يتم فيها قمع أي نشاط سياسي.

وقال إيان مارتين، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، والذي ستلعب فرقته دورا رئيسيا في التخطيط للانتخابات: «لم تشهد ليبيا من قبل أي تجربة انتخابية نافعة».

وتقوم مجموعة من المؤسسات، بما فيها المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية والمؤسسة الدولية للنظم الانتخابية بمساعدة الجماعات المدنية والسياسية الوليدة على تثقيف الناخبين.

غير أن المجلس الوطني الانتقالي الحاكم لم يقم بعد بتعيين مسؤولين ليبيين لتنظيم عملية الاقتراع، كما لم يقرر بعد ما إذا كانوا سيسمحون لفلول النظام السابق بالترشح أم لا.

وذكر المراقبون الدوليون أن الانتخابات التي أجريت في تونس الشهر الماضي كانت انتخابات حرة ونزيهة، وقد احتفى الناخبون بذهابهم للتصويت. غير أن التحديات اللوجستية في ليبيا، التي تفتقر إلى أي بنية تحتية لعقد انتخابات، أكبر بكثير منها في تونس.

وقالت ماريان ماغواير، مستشارة بريطانية تعمل بالتعاون مع المجلس الانتقالي في شرق البلاد: «إن الخط الأساسي للانتخابات هنا يختلف عنه في دول الجوار، فالناس هنا لا تعلم ما هي الانتخابات وما هو الحزب السياسي وكيف يقومون بتشكيل حزب سياسي وكيف يقومون بالتصويت».

ولدى العديد من المراقبين شعور بالتفاؤل المشوب بالحذر بشأن احتمال إجراء تصويت حر هنا. وقد دعا المجلس الانتقالي الليبي إلى الشفافية، وهو ما يختلف تماما عن الحال في مصر، حيث ذكر المجلس العسكري الحاكم، الذي تولى مقاليد السلطة بعد سقوط حسني مبارك في فبراير (شباط)، أنهم لن يسمحوا بوجود مراقبين أجانب على الانتخابات المزمع إجراؤها نهاية هذا الشهر.

وفي بهو أحد الفنادق في طرابلس، قالت سلوى بوغايغيز، محامية شاركت في الثورة الأولى التي اندلعت في مدينة بنغازي الشرقية، والتي كانت تهرول لحضور اجتماعات مع نشطاء وأكاديميين ومسؤولين سياسيين إن لديها الكثير من الأعمال اللازمة لإجراء اقتراع حر.

وقالت: «إن الوصول إلى الديمقراطية هنا أمر شديد الأهمية - وهذا هو هدف الثورة. غير أنني لا أعلم ما إذا كان يمكننا تحقيق ذلك في ثمانية أشهر فقط أم لا».

وكانت بوغايغيز قد عادت مؤخرا من تونس، حيث كانت هي وناشطات أخريات يشرفن على الانتخابات هناك، وكانت هذه هي المرة الأولى التي ترى فيها أي منهن صندوق اقتراع أو شعارا للحزب. وقالت: كان وجود العديد من الأشخاص الذين يصطفون وينتظرون لساعات طويلة في الحر للإدلاء بأصواتهم ملهما، إلا أنها تخشى أن يستغرق ظهور نظام سياسي هيكلي في ليبيا، التي كانت منعزلة عن العالم، العديد من السنوات.

وقالت: «إننا لا نعلم أي شيء عن الحرية والديمقراطية. وهذا تحدٍ كبير»، كما أن المطلب التونسي الذي يشترط أن تكون نسبة النساء في القوائم الانتخابية 50 في المائة لن يكون أمرا مقبولا للعديد من الليبيين.

وتأمل بوغايغيز أن تقوم بترشيح نفسها في الانتخابات، إلا أنها تخشى من أن يتألف معظم أفراد الحكومة المنتخبة الأولى، التي ستقوم بصياغة دستور البلاد وقوانينها، من الرجال القادمين من ال- 50 قبيلة، التي تتمتع بنفوذ كبير في المجتمع.

وقالت: «كنت أتمنى لو لم يكن الأمر على هذا النحو، لكنك لا تستطيع أن تغير العقلية الليبية في الحال. سوف يستغرق الأمر بعض الوقت».

وعلى المدى القصير، من المحتمل أن يظهر مرشحون بين أناس كانوا، إبان حكم القذافي، مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين والقادة المحبوبين من جيش الثوار، يسيطرون على ولاءات إقليمية متعددة. وذكر عشرات الآلاف من المقاتلين الثوار أنهم لن يصوتوا لشخص تقاسم تجاربهم.

وقال حسام نجير، مواطن آيرلندي ليبي الأصل كان قد انضم إلى الثوار المسلحين، إن الديمقراطية لم تخطر على باله عندما كان يشق طريقه إلى طرابلس قادما من الجبال الغربية.

وقال: «لقد كنا نحارب من أجل الحرية. هل كنا ندخل المدن ونحن نفكر في التصويت؟ لا، لقد كنا نأمل حينها أن نحرر أنفسنا من القذافي».

غير أن نجير الآن يقوم بتأسيس حزب سياسي، مدفوعا بغضبه من قلة فرص العمل وندرة الأموال والرعاية الصحية للأشخاص الذين حاربوا من أجل الإطاحة بالنظام. وذكر أن الليبيين حريصون على أن يلموا بمعلومات تتعلق بالسياسات والانتخابات، غير أن القواعد الدينية والثقافية المتأصلة فيهم سوف تؤثر على اختياراتهم دون شك.

وأضاف: «ما من شك أنك لن تفوز بالانتخابات هنا لتسعى إلى قيام دولة علمانية». وذكر أن حزبه سوف يتبنى «مبادئ إسلامية وديمقراطية معتدلة».

وفي طرابلس، هناك العديد من الأشخاص الذين لديهم آمال عريضة بشأن الانتخابات، غير أن أغلبهم يعلم أنه ما زال هناك الكثير أمام ليبيا لتتعلمه.

وقال بشير زيد، الذي يمتلك أحد محال الفاكهة في سوق مزدحم: «إننا سعداء بأن ندلي بأصواتنا. وسنفهم تدريجيا ماهية الانتخابات. لقد كنا جاهلين على مدار سنوات، وكانت هناك قبائل تتناحر مع بعضها البعض».

وقالت فوزيه تاجورا، 45 عاما، والتي تعمل مدرسة في إحدى أسواق الأغنام المجاورة: «سأقوم بتعليم نفسي لأكتشف ماهية الانتخابات وذلك من خلال التلفاز والإنترنت».

غير أن سراج مفتاح، 24 عاما، وهو طالب كان يقف بالجوار، قاطع مجموعة من الناس كانت تعبر عن آمالها في مستقبل ديمقراطي، قائلا: «لم تتضح الأشياء بعد. إن هذه ثورة جديدة ولا يمكننا أن نعرف كيف ستسير الأمور. إن الانتخاب في حد ذاته ليس أمرا جيدا، علينا أن نرى ماذا سيحدث بعد أن يتم التصويت بسلام».

* خدمة «واشنطن بوست»