الإيرانيون يتصدرون قوائم اللاجئين لأستراليا ويرمون بأنفسهم في التهلكة للوصول إلى هناك

وسيلتهم قوارب متهالكة.. وأغلبهم من العلمانيين والمسيحيين المناهضين للنظام

TT

بعد 3 أيام من إطلاق سراحه بعد أسبوع من الاعتقال بسبب المشاركة في مظاهرات منادية بالديمقراطية في مارس (آذار) الماضي في بلده الأم إيران، قرر أحمد الهروب. اختفى صديق مقرب له شارك في المظاهرات نفسها في سجن إيفين سيئ السمعة في طهران، ثم شعر أحمد بعد تلقي مكالمة هاتفية من شخص يزعم أنه من جهة أمنية أنه التالي. وقال أحمد، الذي يبلغ من العمر 23 عاما ورفض الإفصاح عن اسمه بالكامل لحماية أقاربه في إيران، إنه يعرف معنى انتباه جهات الأمن. وأوضح أن أخاه قد أعدم وهو لا يزال طالبا عام 1996 للاشتباه في كونه من أفراد حركة مجاهدين خلق التي تدعو إلى إسقاط الجمهورية الإسلامية.

حصل أحمد على جواز سفر أخ آخر له واستقل طائرة متوجهة إلى ماليزيا. وبعد 3 أيام وإنفاق 12 ألف دولار، كان على متن قارب متوجه إلى أستراليا التي قال إن المتاعب بدأت منها.

وقال وهو يروي كيف تم الزج به في قارب متهالك يتأرجح في بحر عاتي الأمواج بين إندونيسيا وشمال أستراليا وهو الطريق الذي يفضله مهربو المهاجرين غير الشرعيين: «لقد ظننت أنني سأموت». وتم شحن أكثر من 150 شخصا مكدسين إلى درجة تمنعهم من الحركة حتى أثناء النوم.

ويعد أحمد جزءا من حركة تزايدت مؤخرا من اللاجئين الإيرانيين الذين واتتهم شجاعة اجتياز هذا الطريق خلال العامين الماضيين، في مراكب صيد في أكثر الأحوال أملا في الحصول على اللجوء السياسي. وشأنه شأن الكثير من المهاجرين، لم يجد أحمد الدولة التي توجه إليها تفتح له ذراعيها، بل وجد بدلا منها أبواب السجن الذي اعتقل فيه لفترة طويلة وصلت إلى 214 يوما في معسكر في صحراء غرب أستراليا القاحلة، في الوقت الذي كانت السلطات الأسترالية تفكر في كيفية التعامل معه.

ليس خافيا أن أستراليا تعاني من مشكلة هجرة، حيث حاولت الكثير من الحكومات المتعاقبة بداية من حكومة جون هوارد في التسعينات منع تدفق طالبي اللجوء السياسي على شواطئها. في أكتوبر (تشرين الأول)، أعلنت رئيسة الوزراء جوليا غيلارد تخليها عن خطط الحكومة المثيرة للجدل التي تتضمن نقل طالبي اللجوء السياسي إلى ماليزيا في إطار اتفاق لتبادل اللاجئين هدفها الحد من نشاط مهربي المهاجرين غير الشرعيين الذين جلبوا أحمد إلى أستراليا عندما بات واضحا افتقارها للأصوات اللازمة في البرلمان لنقض حكم المحكمة العليا ببطلان هذا الاتفاق.

مع ذلك ليس من الواضح تماما سبب تصدر الإيرانيين قائمة اللاجئين السياسيين إلى أستراليا. وبحسب وزارة الهجرة والمواطنة، وصل حتى شهر أكتوبر من العام الحالي 953 مهاجرا إيرانيا عن طريق القوارب متصدرين بذلك القائمة ويليهم الأفغان والعراقيون، ووصل أكثر من ألف إيراني إلى أستراليا العام الماضي، ما يمثل زيادة كبيرة، بالنظر إلى عددهم الذي كان يبلغ 72 عام 2009.

رحلة المهاجرين من إيران إلى أستراليا طويلة ومكلفة ومحفوفة بالمخاطر. وأشار المسؤولون إلى وفاة 8 إيرانيين بسبب غرق سفينة كانت متجهة إلى أستراليا في المياه الماليزية.

على عكس الأفغان، الذين كانوا يمثلون حتى وقت قريب الفئة الأكبر من طالبي اللجوء السياسي وأكثرهم من القرويين، حظي الوافدون الإيرانيون الجدد بقدر كبير من التعليم وأكثرهم من العلمانيين أو المسيحيين غير الراضين عن الأوضاع السياسية والقيود في بلدهم التي يحكمها النظام الإسلامي.

تقول نيكي دانيش، أحد اللاجئين والناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة والتي هربت من إيران إلى أوروبا مع أسرتها بعد فترة قصيرة من اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979: «السبب الوحيد الذي يدفعهم إلى إلقاء أنفسهم في التهلكة من خلال السفر عبر القوارب أو المحيط هو الوضع المؤسف في إيران».

ويقول سايماك غاهرمان، رئيس اتحاد الجالية الإيرانية في سيدني الذي هرب من إيران عبر الجبال إلى تركيا منذ ما يزيد على 30 عاما: «كل هذا بسبب الإحباط واليأس لا بحثا عن الرفاهية. إنهم لا يذهبون إلى أستراليا كنوع من التغيير، فمن الخطير التوجه إلى أستراليا عن طريق القارب بدلا من البقاء في إيران».

يوضح عدد اللاجئين في أستراليا زيادة عالمية في أعداد الإيرانيين الذين يطلبون اللجوء السياسي، حيث كانت إيران من ضمن أول 5 دول خلال العام الحالي لأول مرة منذ عام 2006 على قائمة الدول التي ينتمي إليها طالبو اللجوء السياسي بحسب آخر تقرير صادر عن مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة. وقال المتحدث الرسمي باسم المكتب في كانبيرا، بين فاريل من خلال رسالة بالبريد الإلكتروني: «توضح اتجاهات اللجوء السياسي، زيادة كبيرة في أعداد طالبي اللجوء السياسي من الإيرانيين الذين يبحثون عن حماية في الدول الصناعية حول العالم وتتماشى زيادة أعدادهم في أستراليا مع هذا التوجه».

ربما يبدو من الغريب اللجوء إلى أستراليا نظرا لبعدها والأخطار المرتبطة بمحاولات الوصول إليها عن طريق القارب. ويتجه العدد الأكبر من الإيرانيين بالفعل إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

ذهب علي عزاري، رافع أثقال سابق من طهران عضو الفريق الإيراني في أولمبياد عام 1993، إلى أستراليا عن طريق القارب مع طفلته الرضيعة وزوجته عام 2000. وقضى الثلاثة 10 أشهر في مركز الاعتقال الذي حل به أحمد قبل حصوله على اللجوء السياسي.

رغم قوله إنه يستطيع تأليف كتاب عن كل الأمور السيئة في إيران، لن ينصح الإيرانيين بالقيام بهذه الرحلة. ويقول إنه أخبر أصدقاءه في إيران بمدى خطورتها ولا يعرف سبب مخاطرة الكثير من الإيرانيين بالقيام بها. ويبدو أن الحكومة الأسترالية تتعجب من الأمر ذاته. ومن دون الإجابة عن هذا السؤال، حاولت التكيف مع طالبي اللجوء السياسي الإيرانيين الذين يتحدثون الإنجليزية بطلاقة ويدركون حقوقهم جيدا على عكس غيرهم من اللاجئين.

اتهم بعض مسؤولي الهجرة الإيرانيين الذين رفضت طلبات اللجوء السياسي الخاصة بهم بإثارة أعمال الشغب خلال العام الحالي في مركزي الاحتجاز كريسماس آيلاند وفيلا وود. واتهم أندرو ميتكالف، وكيل وزارة الهجرة والجنسية، في استجواب أمام البرلمان مؤخرا معتقلين إيرانيين بـ«التمرد والعصيان المتعمد».

وكتب متحدث باسم كريس بوين، وزير الهجرة، رفض ذكر اسمه، في رسالة بالبريد الإلكتروني: «هناك عدد كبير من الإيرانيين في مراكز احتجاز المهاجرين ويتمتع أكثرهم بحسن السلوك».

مع ذلك أشار المتحدث في مقابلة لاحقة، إلى عدم وجود اتفاق كبير حول كيفية التعامل مع المهاجرين الإيرانيين، فلا ينطبق عليهم جميعا شروط اللجوء السياسي مثل الخوف من الاضطهاد، وفي الوقت ذاته لا يمكن إجبارهم على العودة إلى وطنهم، حيث أخطرت السلطات الإيرانية الحكومة الأسترالية بأنها لن تقبل الترحيل الإجباري لمواطنيها الذين طلبوا اللجوء السياسي هناك.

وقال أحمد الذي حصل على إقامة دائمة في أستراليا: «نفهم سبب مغادرة الأفغان لبلادهم، حيث يرحلون نتيجة الحرب. والأمر نفسه ينطبق على العراقيين، لكن في إيران، هناك حرب صامتة بين الشعب والحكومة ولا يفهم أحد شكل الحياة في إيران». عندما سئل أحمد عما إذا كان سيغادر إيران إذا عادت عقارب الزمن إلى الوراء؟ أجاب بنعم بعد فترة صمت طويلة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»