رئيس تحرير «الغد» الأردنية لـ«الشرق الأوسط»: الشرطة استخدمت «الأمن الناعم» مع البلطجية

اعتصام تضامني مع الصحيفة بعد تعرضها للاعتداء على خلفية تحقيق حول هروب باخرة من العقبة

TT

نفذت الأسرة الصحافية والإعلامية في الأردن، أمس، اعتصاما أمام نقابة الصحافيين، احتجاجا على الاعتداء الذي تعرضت له صحيفة «الغد»، أول من أمس، من قبل بلطجية. وقال رئيس التحرير المسؤول للصحيفة، مصطفى صالح: إن الكادر الإداري والتحريري «لن يثنيه الاعتداء، الذي وقع، عن استكمال مسيرة الصحيفة المهنية». ورفض صالح «الاستقواء على الصحافة والصحافيين، وعلى أي مواطن»، مؤكدا ضرورة تصدي الجميع لمثل هذه الفئات والمجموعات المستقوية على القانون والمجتمع، والعمل على مقاومتها.

وروى صالح لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل ما حدث، فقال إنه تلقى تهديدا من أشخاص عبر الهاتف طالبوه بوقف نشر تحقيق صحافي حول تفاصيل هروب باخرة «السور» التي شكلت الحكومة لجنة لتقصي الحقائق حول عملية هروبها من ميناء العقبة. وأضاف أن التحقيق أشار إلى معلومة مفادها «اعتبار المسؤولين في مؤسسة الموانئ في إجازة إلى حين انتهاء التحقيق».

وكشف صالح عن انتماء المعتدين، محددا أنهم أفراد من عشيرة مدير مؤسسة الموانئ بالوكالة، محمد مبيضين. وقال إنهم حاصروا الصحيفة ومنعوا توزيعها بالأسواق، موضحا أنه قدم شكوى إلى قسم الشرطة التي حضرت وحاصرت المبنى لحمايته وأخذت تفاوض البلطجية دون تدخل لمنعهم أو ردعهم.

وردا على سؤال حول سبب ذلك التصرف، قال صالح: إن قوات الأمن انتهجت أسلوب «الأمن الناعم»، وذلك لتجنب الصدام مع العشائر في ظل إفرازات الربيع العربي. واستغرقت قوات الأمن 6 ساعات لإقناع البلطجية بالابتعاد عن المبنى. واستكمل قائلا: إن البلطجية طاردوا الموزع رائد جودة، الذي نجح بإخراج عدد من النسخ من خلف السور، واعتدوا عليه وكسروا ساقه، وسيخضع لعملية معقدة في ساقه خلال اليومين المقبلين.

وقال: «إننا سنكمل المشوار.. وإننا تقدمنا بشكوى إلى الأمن، واعتُقل عدد من المعتدين على الموزع ونحن بانتظار قرار القضاء العادل كي يأخذ القانون مجراه»، مشيرا إلى أنه رفض كل المحاولات لصلح عشائري؛ لأن الاعتداء تم على مؤسسة وليس على عشيرة. وأضاف أن رئيس الوزراء عون الخصاونة اتصل هاتفيا للتضامن مع الصحيفة وأبلغه أن الحكومة لن تسكت على مثل هذه الأعمال التي تشكل اعتداء صارخا على حرية الإعلام.

من جهته، قال رئيس التحرير التنفيذي لـ«الغد»، فؤاد أبو حجلة: «إن ما حدث أمر مثير للاشمئزاز، ويطرح تساؤلات مثيرة حول الجدية في الإصلاح في الدولة، لا سيما أن هناك صحيفة تتعرض لاعتداء سافر بطريقة فجة، مما يوحي بأن هناك أطرافا معينة تريد أن تأخذ القانون بيديها، وتريد أن تصفي حساباتها كما تشاء من دون احترام للدولة ولمؤسساتها ولهيبتها». وأضاف أن «الغد» تحترم الدولة وتحترم القانون، و«نحن لا نقبل الاعتداء على صحيفتنا، أو على أي صحيفة أو صحافي». وتابع: «إن الموضوع الآن بين يدي القضاء والمؤسسة الأمنية، ونتوقع أن يتم تحويل المعتدين للقضاء حتى ينالوا عقابهم»، مشددا في الوقت ذاته على أن «الغد» لا تحمل أجندات، ولا مواقف مسبقة تجاه أي أحد.

كان العاملون في «الغد»، بتضامن إعلاميين وصحافيين آخرين وشخصيات نقابية وسياسية ونيابية، قد نفذوا اعتصاما أمام مبنى الصحيفة، تنديدا بالاعتداء، معتبرين أن الاعتداء الذي طال الصحيفة هو اعتداء على الصحافة الأردنية قاطبة. وحمل المعتصمون شعارات تنديدية بالبلطجة ضد الإعلام، التي زادت حدتها منذ مطلع العام الحالي. وأكدت الشعارات المرفوعة: «لنقف جميعا ضد استباحة القانون»، «(الغد) ستبقى صوت الناس»، «لا لإرهاب الإعلام».

واعتبر نقيب الصحافيين الأردنيين، طارق المومني، أن ما حصل أمر محزن ومؤسف، وأن النقابة ترفضه جملة وتفصيلا، كما أنه أمر مُدان من جميع القوى والفئات الأردنية. واستنكر المومني، في كلمة ارتجلها في الاعتصام، قيام مجموعة من الشباب بالتجمع أمام مقر «الغد» لمنع إصدار الصحيفة وتوزيعها، مشددا على أن «الغد» صحيفة يعتز بدورها الوطني ومهنيتها العالية ومصداقيتها وبالكادر التحريري والإداري فيها، ممن هم على درجة عالية من الحرفية. وأكد أن من واجب نقابة الصحافيين الدفاع عن الصحيفة وعن كادرها وحقهم في التعبير عن رأيهم. وطالب المومني جميع وسائل الإعلام بأن تتصدى لمثل هذا النوع من الانتهاك والاعتداء على حرية الصحافة، حتى لا تكون الصحافة ساحة مستباحة لكل فئة ترى نفسها فوق القانون، مشيرا إلى أن الاعتداء على «الغد» هو خرق للقانون، يتطلب من الأجهزة الأمنية ملاحقة المعتدين ومحاسبتهم.

وأدان رئيس مركز حماية وحرية الصحافيين، نضال منصور، الاعتداء، لافتا إلى أن الانتهاكات والاعتداءات التي يتعرض لها الصحافيون بدأت تتزايد وتأخذ أشكالا أكثر خطورة في الأشهر القليلة الماضية، مما يدل على تحدٍّ للقانون وسيادته ودولة المؤسسات، وعلى أن البعض يعتقد أنه قادر على تنفيذ القانون بيده. وشدد على ضرورة تصدي الأسرة الإعلامية والمجتمع المدني لهذه الظاهرة، التي تهدد الديمقراطية وسيادة القانون، وعدم الاكتفاء بالاعتصامات والبيانات التنديدية، بل متابعة ومحاسبة المعتدين والمنتهكين للحريات الإعلامية أمام القضاء وعدم التنازل أمام أي ضغوط أو حسابات.

كانت «الغد» قد استهجنت، في بيان أصدرته أول من أمس، الاعتداء بهذا الأسلوب الفج الذي لا يعبر عن أي احترام للدولة ومؤسساتها الرسمية والأمنية والقانون، مؤكدة «التزامها بمهنيتها في تغطيتها الإعلامية من دون أي قيود أو محددات، أو رضوخ لأي ضغط من أي طرف كان، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الكبرى التي تمس حاضر الأردن ومستقبله».

وقضى العاملون في «الغد» نحو 5 ساعات في حالة قلق، عندما رابط العشرات من الأشخاص أمام مقر الصحيفة في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لمنع توزيع الصحيفة، مستقوين بسيف البلطجة، على الرغم من الحراسة أمنية المشددة. وتلقى رئيس التحرير المسؤول عند الساعة الثانية عشرة من ليل الخميس تهديدات بالقتل، وبإحراق الصحيفة، من قبل مجهولين، مطالبين بإزالة خبر «هروب الباخرة سور» من الصحيفة. وهدد البلطجية، في اتصالهم الهاتفي، بأنهم بخلاف ذلك، سيحضرون إلى مقر الصحيفة، لحرقها، على متن 6 حافلات مقبلة من إحدى المحافظات.

وأمام هذه التهديدات، أبلغت «الغد» شرطة شمال عمان بالأمر، التي سارعت إلى إرسال دورية نجدة، قبل أن يتوجه رئيس التحرير المسؤول إلى مركز أمن تلاع العلي، لتقديم شكوى، ضد كل من وجه له تهديدات وكذلك تزويد المركز الأمني بأرقام الهواتف التي صدرت التهديدات عنها. وأثناء تقديم الشكوى، فوجئ العاملون في «الغد» بوجود العشرات من البلطجية أمام مقر الصحيفة، على الرغم من تعزيز الشرطة لدورياتها.

وقامت إعلامية من خارج الصحيفة بسد مدخل الصحيفة بسيارتها لمنع شاحنات التوزيع من الخروج، فضلا عن استمرار البلطجية بتوجيه الشتائم والتهديدات للعاملين في الصحيفة ورئيس تحريرها. ورفض البلطجية السماح لأي سيارة بمغادرة الصحيفة إلا بعد تفتيشها من قبل هذه الإعلامية، وذلك للتأكد من خلوها من نسخ «الغد».

وأمام ممارسات البلطجية الخارجة على القانون، لجأت الصحيفة إلى استخدام أسوارها الخلفية في نقل حزم من نسخ «الغد»، بينما ظل رجال الأمن العام يستخدمون أسلوب التفاوض السلمي، الذي استغرق نحو 6 ساعات.

كان البلطجية قد لاحظوا استخدام الأسوار لتمكين فريق التوزيع من القيام بمهمته؛ فلاحقوا أحد الموزعين وضربوه، لإيصال رسالة تؤكد منعهم توزيع الصحيفة حتى لو باستخدام القوة. واشترط المعتدون، حتى يزيلوا مظاهر المنع والاعتداء من أمام الصحيفة، وقف ما تبقى من توزيع نسخ الصحيفة، وإصدار ملحق خاص يحتوي على نفي واعتذار لمدير مؤسسة موانئ العقبة بالوكالة، محمد مبيضين، ووضع الاعتذار على الموقع الإلكتروني.

كان أحمد الرواشدة، كاتب الخبر، قد تقدم بشكوى لدى مركز أمني في العقبة، فضلا عن شكوى قدمها الموزع رائد جودة الذي تعرض للاعتداء أثناء القيام بواجبه الوظيفي.

إلى ذلك، أكدت الحكومة، على لسان ناطقها الرسمي وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال راكان المجالي، أن التعرض لصحيفة «الغد» بالاعتداء والتهديد هو أمر مستنكر ومؤسف ومرفوض، متعهدا بملاحقة المعتدين قضائيا وقانونيا.

وأدان مجلس النواب الأردني والمركز الوطني لحقوق الإنسان وعدد من الأحزاب السياسية والنقابات المهنية الاعتداء الذي تعرضت له صحيفة «الغد»، وأكدوا، في بيانات منفصلة، أن هذه ظاهرة خطرة عنوانها فرض قيود على حرية الصحافة والتعبير التي كفلها الدستور والقوانين الأردنية ذات الصلة.

كانت الحكومة قد شكلت لجنة تقصي حقائق على خلفية هروب باخرة سور التي كانت تحمل على منتها ذرة صفراء غير صالحة للاستهلاك.