كنت قد انهيت مقالي عن احداث الاثنين الماضي في الرياض حين رن الهاتف. طلب مني مسفر، وهو صديق وأخ عزيز، ألا نتهم المؤسسات الدينية، او نشير الى العاملين في الحقل الاسلامي او الجمعيات او المؤسسات، فلا نلقي عليهم اللوم ولا نرميهم بما ليس فيهم. قلت له معاذ الله. إرضاء له حاولت، فكانت مهمة صعبة لكنني فعلتها بناء على طلبه.
فكرت طويلا واثناء تفكيري المركز اكتشفت الجذور والاسلحة والفاعلين الحقيقيين الذين تسببوا في مأساة الاثنين الدامي. أهم اكتشافاتي ان لا علاقة لهم بالاصوليين، لا من قريب او من بعيد. أستطيع ان أجزم انهم طلاب زراعة او من وزارة الزراعة، فهي مسؤولة عما حدث، وهي التي منحتهم التربة وحفرت لهم الآبار وامدتهم بالمياه ووزعت عليهم البذور، وكما يقال يا أخ مسفر «من زرع حصد».
اكتشفت انه ليس صحيحا انهم مدللون ومحميون وتفتح لهم المجالس.
فقد ثبت لي ان السعوديين الذين ذهبوا او جاءوا من كشمير وافغانستان والشيشان وصلوا الى هناك بالصدفة، كانوا سياحا ضلوا طريقهم من الحمراء الى كابل. ايضا، ليس صحيحا ان السياح السعوديين عادوا عازمين على ارتكاب اعمال شريرة، بل لتعميم المنفعة، فقد اصلحوا مزارع الدول الأخرى وقرروا العودة لبلدهم، مستفيدين من بذورهم ومعونات الخيرين وسماحة الحكومة وخوف الناس من اصدقائهم، وقرروا ان ينقلوا التقنية والخبرة التي أخذوها في جبال تورا وكهوف بورا الى المجمعات السكنية. وليس صحيحا ان الإعلام السعودي والمؤسسات السعودية هيأت الأرضية والعقلية لهم مبكرا.
فكل ما يقال عن شبابنا ليس معظمه اكاذيب، بل كله اكاذيب. فجمعياتهم الخيرية ترسل اموالها فقط للسياحة والترفيه عنهم وعن اصدقائهم من العرب والمسلمين، وليس لتمويل الارهاب في الخارج. اما بالنسبة لحياتهم داخل المملكة فليس صحيحا انهم يعيشونها هنيئة، بل في غاية القسوة. فقد بلغت القسوة ان منشوراتهم لا تحتاج الى إذن من وزارة الاعلام الموقرة، بعكس طلاب المطبوعات العلمية او الطبية او حتى اهل قصائد النبط، الذين يعاملون معاملة استثنائية بالانتظار اسابيع وربما اشهرا للحصول على تراخيص، هذا إن لم يكرموا بالرفض. أيضا، يوزع الشباب منشوراتهم في ظروف بالغة الصعوبة امام السوبرماركات والتجمعات، وما يزيدهم ارهاقا ان احدا لا يصادرها ولا يسألهم حتى عن مضمونها.
وليس صحيحا ان لهؤلاء المزارعين أي سلطة، وليست لهم سيارات شهيرة، فمغامراتهم بسيطة مثل افلام هوليوود، وليس صحيحا انهم يتباهون بانتاجهم الرائع على صفحات الجرائد ومواقع الانترنت. وقد لا تدرون ان هؤلاء المزارعين يجدون ممانعة شديدة في دوائر التعليم الى درجة ان المدرسين تركوا تعليم العلوم والرياضيات واتجهوا الى منافستهم في تعليم التطرف. وازدادت حياتهم صعوبة لأن المدارس، وضمنها الخاصة، صارت تمنح طلابها ساعات بعد الظهر لمزيد من هذه الدروس الدعوية. ولا تصدقوا من يقول ان طلاب المدارس، بما فيها الابتدائية، يعرضون صور القتلى الفلسطينيين والعراقيين ويحرضون على الغربيين الكفرة. كما انه كله بهتان ما يقال من ان مدارس البنات تحولت الى تجمعات تثقيفية في الشأن السياسي، اما تمثيل الجنازات من قبل الاسلاميات، فهو والله ليس لترهيب البنات، بل من حصص الدراما ضمن المنهج العام. ايضا، ليس صحيحا ان المستشفيات مليئة بمنشورات تحرم مصافحة الكفار. ومن الاكاذيب ايضا ما يشاع من ان التلفزيون السعودي متخم ببرامج دينية. فشبابنا مشغول بما هو اهم، مئات او آلاف منهم متفرغون لدعوة المسلمين للإسلام في بلد الإسلام.
وبعيدا عن انباء الكذب، ومن آخر الانباء الصحيحة، ان الجمعيات الخيرية السعودية التي شبعت من اصلاح العالم الاسلامي، مثل افغانستان، قررت الانصراف الى اصلاح اوضاع المملكة بطباعة المزيد من ملايين الكتيبات والاشرطة والندوات و«الجمسات».
ختاما، عليكم الا تربطوا ما ذكرته مع ما تسمعونه في مدنكم، فما يسمع من انفجارات ليس الا ألعاب نارية، وبروباغندا اميركية.