قرار منع الحجاب محزن لكنه ليس سيئا

TT

العنوان هو رأي والمقال هو الشرح والتبرير، لأن منع الحجاب في فرنسا هو قرار محزن ولكن لا يعني هذا انه خطأ لأن المشكلة ليست في الفكر الاسلامي وانما في المكان الذي يمنع، فالمطعم مثلا ليس مسجدا للصلاة وإن كان يمكن فيه اداء الصلاة من معرفة القبلة والتيقن من طهارة الارض ولكن صاحب المطعم يريد قدوم الزبائن للربح وليس للعبادة.

في العالم الثالث الشعوب متدينة، المسلم والمسيحي وكذلك الهندوسي، وفي الولايات المتحدة الشعب علماني ولكنه مؤمن بالله، اما في فرنسا واغلب شعوب اوروبا فالدستور علماني والشعب ملحد باستثناء اوروبا الشرقية التي يوجد بها التعصب المسيحي كردة فعل للشيوعية المغصوبة. اما في اوروبا الغربية وبالذات فرنسا، فالكنائس في باريس اشبه ما تكون بمتاحف وآثار من الماضي وليست مكانا للعبادة.

الدولة كما نعلم تتكون من ارض وشعب وسلطة، وللسلطة دستور ينظم سلطاتها الثلاث وعلاقاتها مع بعضها بعضا، ولم يكن تشريع علمانية الدولة قرارا شخصيا، بل هو قرار شعبي ناتج عن الثورة الفرنسية ومفكري تلك الثورة. وكان جان جاك روسو يرى ان المجتمع القائم على الحق يمكن لطبيعة الانسان ان تنمو بحرية وان تحقق الوحدة بين اشكال الحقوق من حقوق الفرد والمجتمع، وبالتالي الشعب وفلاسفة القرن الثامن عشر الذين رأوا ان الانسان له امكانات العمل والتطور بمعزل عن الشرائع الالهية، وكان سبب ذلك ان الرأي الفكري في فرنسا هو عقدة سيطرة الكنيسة على الشعب وما قادته من تخلف، وسميت تلك الفترة بعصور الظلام.

من الجهل تشبيه الاسلام بالمسيحية، فالاسلام ايديولوجية متكاملة بنظام دقيق ولكن الاسلام نفسه لا يطالب كل دول العالم ذات الاقليات المسلمة بتطبيق شرائع الاسلام. فالاغلبية تخلق دستور الدولة عبر انظمتها وآلياتها، وانا لا اقول منع الحجاب هو قرار سليم كمبدأ عام ولكنه سليم كقانون متفق عليه في فرنسا، وهذه رغبة غالبية الشعب الفرنسي التي لا تكره المسلمين ولكن تريد الحفاظ على علمانيتها. ومن يطالب بالحجاب بفرنسا في المدارس وأماكن العمل الحكومية كمن يطالب بفتح حانات الخمور في المملكة العربية السعودية، لأنها دولة ذات دستور اسلامي يمنع ذلك.

في الشرق نحن ارض الاسلام وبعض الدول قانونها اسلامي وعليها ان تظهر قيمة الاسلام عبر ما تحققه من نهضة اقتصادية وعلمية لتعكس الصورة النموذجية عبر تجربة واقعية قد تؤثر على الفكر الغربي ليفرق بين تخلف الفكر الديني بين الاديان ومدى تقدم الاسلام عليها، وعلى المسلمين في الدولة غير المسلمة التعلم والاستفادة وتطوير حياتهم عبر رفع مستواهم التعليمي والتأثير الايجابي على الدول الغربية لشرح الفكر الديني بصورة نموذجية والتحرر من فكرة الاضطهاد وكره الآخر وتبرير تأخر المسلمين في المجتمعات الغربية. وأذكر على سبيل تجربة شخصية لاستاذ تونسي سابق في الجامعة كان يذكر رغبته في الحياة في السعودية لالتزامه بالشعائر الاسلامية ولكن لا ينسى فضل فرنسا المعرفي عليه.

فرنسا وغيرها من الدول تعطي الحق الشخصي لمن اراد الحياة بها ليتعلم او يعمل ولكن لها قوانين وعلى من اراد الحياة بها التقيد بالقوانين، فليس من المنطق الذهاب الى حانة خمور لطلب كأس من ماء زمزم.