ما هو أغرب من «أبو غريب»

TT

كأن مواقع الانترنت، التي تشبه بعض منتدياتها فصول المدارس الابتدائية في صخبها، لم تكف بل نافستها بعض منابر المساجد. وذكر لي صديق ان إمام مسجد الحي خصص خطبته لنقد مقال سابق كتبته حول التعذيب في سجن ابو غريب الشهير. وانا اعتز ان يخصص إمام خطبته لمناقشة مقالي مع انه انصرف عن مهمته الجليلة. لكن، كالعادة في النقاش مع غائب، تصبح الحقيقة ضحية. جاء انتقاده مبنياً على إما سماع في مجلس او سباحة في بحر الانترنت ومواقعها التي من عادتها تشويه الحقائق.

فما كتبته كان صريحاً في تجريمه لما حدث في السجن وصريحاً في المطالبة بعدم الاكتفاء بالتنديد. والجزء الثاني من المقال ايضاً اطالب فيه بعدم النفاق في المحاسبة.

فاستنكار حدث في سجن ابو غريب البغدادي، لم نر ولا خمسة في المائة مثله ضد ما يحدث في بعض السجون العربية التي يعتبر ما يجري في ابو غريب مجرد نزهة ممتعة مقارنة بها.

وقال لي الصديق ان الامام ذكر انني انكر حقيقة الصور وازعم انها مدبلجة، وهو ما كتب مثله قارئ مشكور تصدى لي بطريقة اقل حدة. الصور التي كتبت عنها لم اقل انها «مدبلجة»، اي مزورة او مركبة، وإن كانت كلمة مدبلجة المعربة تعني الصورة التي يضاف اليها كلام مثل الترجمة الصوتية.

الذي عنيته هو الصورة التي نشرتها صحيفة «الوفد» المصرية وذكرت انها مأخوذة عن تعذيب الاميركيين في سجن ابو غريب. فهذه الصورة ملتقطة عن فيديو جنس مختلف عن قصص السجن وصوره، وشاع الفيلم في مواقع اباحية على الانترنت منذ اشهر بعيدة. طبعاً لا ألوم الخطيب ولا الوم القارئ على عدم فهمها إشاراتي في المقال الى الصحيفة والفيلم.

لب الموضوع ورسالة المقال استنكار التعذيب وضرورة عدم الازدواجية بين التغاضي عن مئات السجون العربية وأفعال آلاف السجانين العرب لسنين طويلة والتركيز فقط على حادثة ابو غريب لأن السجان اميركي او اسرائيلي أو غيرهما.

اقول انظروا ما فعله النظام الاميركي بكبار رؤوس الدولة بسبب تلك الافعال الشنيعة، فللنظام نوافذ تهوية تقوم بطرد رائحة ما تعفن، لكن في بعض انظمتنا القاعدة البقاء للسئ والأسوأ.

اتذكر منظرا هزني في زيارة مع زميلي الاستاذ صالح القلاب الى تونس. فقد مررنا على قيادة السلطة الفلسطينية عندما كانت تتخذ هناك مقراً لها آنذاك. وفي مكتب احد المسؤولين كان يجلس فلسطيني حزين الوجه. وفي اثناء الحديث اشار الى الجالس على انه خرج حديثا من احد السجون العربية بعد سنين من العيش في احد الاقبية المظلمة التي تمر بها مياه المجاري. وعن التعذيب وقف الرجل وأرانا قدما مشوهة قال انهم كانوا يربطونها بسلسلة ضاغطة حتى اكلت اللحم وبان عظمها.

امام هذه الجريمة سألته لماذا لا ترفعون شكوى، او تعرضونه على وسائل الاعلام، قال لا.. لا نريد ان نصعد الموقف، فالوضع السياسي لا يحتمل ذلك، ونحن بكل تأكيد احتملناه، في اعلامنا المنافق.