ابتليت (البشرية) ـ ولا أقول (الإنسانية) ـ بالتفرقة العنصرية.. ولو أن البشر احتكموا للإنسانية في أعلى صفاتها الأخلاقية، لما كان هناك ظلم، وانتهاك، واحتقار من جنس لجنس، ومن لون للون.. غير أن البشر في اغلب مراحل تاريخهم للأسف، وظفوا أسوأ ما لديهم من نوازع ليسلخوا جلود بعضهم بعضا، ويأكلوا لحوم بعضهم بعضا، بطرق تعجز الحيوانات عن فعلها، وهذا يكاد يكون حاصلاً بين كل الشعوب وفي كل الدول، حتى بين الأقليات نجد تلك العداوات.
ففي أمريكا، وكندا، وأوروبا ابتداء من روسيا إلى بريطانيا، كان هناك تفرقة بين البيض والملونين، أما في الهند فمعروف وضع طبقة (المنبوذين) الذين يزيد عددهم عن مائة مليون، ولا يعملون في غير المهن الحقيرة، ومحرم عليهم حتى دخول المعابد، بل الويل كل الويل (للمنبوذ) لو أن (ظله) وقع على احد السادة الهندوس.
حتى اليابان ـ وهي اليابان ـ التي يفترض أن ويلات الحروب والتجارب قد صقلتها، نجد أنهم يحتقرون بقايا الكوريين الذين قضوا حياتهم كلها في اليابان، ويعتبرونهم مواطنين من الدرجة الثانية.
وهناك في اليابان طبقة يقال لهم: (الايتا) وعددهم يقدر بالملايين، كانوا في عهد الإقطاع لا يستطيعون مغادرة قراهم إلا بين غروب الشمس وشروقها فقط، ورغم أن الحكومة بذلت جهودا كبيرة في تغيير أوضاعهم نحو الأفضل، إلا انه ما زال يصعب على من ينتمي لتلك الطبقة أن يتزوج من خارجها.
كما أن أمريكا اللاتينية، والصين لا تبتعدان عن ذلك، بل أن أفريقيا تحتشد بالتفرقة العنصرية، واصدق مثال على ذلك دولة (ليبيريا) التي قامت بها قبل سنتين حرب أهلية أطاحت برئيسها، هذه الدولة تحوي من التفرقة العنصرية ما يشيب له رأس الولدان، فالليبيريون ـ الأمريكيون ـ وهم من سلالات العبيد الذين عادوا وأسسوا تلك الدولة، (رفعوا خشومهم) على أبناء القبائل واحتقروهم وساموهم سوء العذاب.
والبلاد العربية بالطبع ليست بعيدة عن تلك (البشاعات) البشرية، وفي كل بلد عربي تقريبا نرى ونسمع من يحتقر أخاه المواطن الآخر الذي قد لا يكون من بلده أو قبيلته أو (إسطبله).
ولا شك أن العالم بدأ يتغلب على هذه (الجريمة) رويدا رويدا، ولست ادري هل يمتد بي العمر إلى أن تتحقق على الأرض وبين البشر عدالة (حقوق الإنسان)؟! ـ إنني اشك في ذلك كثيراً.
واليكم ما سمعته (بأم أذني)، عندما تلاسن اثنان في احد المجالس، فقال الأول مزمجراً: هل تعرف يا (هلفوت) أنني انحدر من السلالة (الفلانية)؟!، ثم أردف قائلاً باحتقار: وأنت من أي سلالة تنحدر؟!
فأجابه الثاني ببرودة أعصاب يحسد عليها وقال: إنني لست سلالة، ولكنني أنا (السلف).