هل من نسخة جديدة للناتو .. وكيف ..؟

TT

كان الهدوء السياسي الذي ساد عبر المحيط الأطلسي هذا السنة دافعا للولايات المتحدة كي تسعى لجعل الناتو منظمة أمن عالمية، قادرة على الوصول إلى أي مكان، والقيام بما هو أكثر من خوض الحروب فقط، وذلك هو الذي قاد الى بدء الصراع وراء الكواليس، للتحضير للاجندات الخاصة باجتماعي القمة اللذين سيجريان في عامي 2006 و2008، حيث من المتوقع أن يكون هذا الملف من المكونات الأساسية لما سيخلفه الرئيس بوش وراءه، من ميراث في مجال الشؤون الخارجية. وتعدّ الحجج التكتيكية الخطوة الأولية التي ستقود إلى نقاش استراتيجي أكبر، يدور حول طبيعة السلطة العالمية في القرن الواحد والعشرين.

وإذا تمت إدارة النقاش بصورة صحيحة، فإنه يمكن أن يعزز الوحدة بين أعضاء الناتو أكثر من أن يعمق الفرقة بينها. فهو يتضمن كل الخلافات المريرة التي وقعت في الفترة الأخيرة ما بين الأعضاء بخصوص الحرب في العراق والتي وُضعت جانبا حاليا. لكن النقاش المقبل يجب أن يكون أوسع من قضية العراق، لأنه يتضمن نزاعا عميقا حول اتجاه التاريخ إضافة إلى اتجاه حلف الناتو.

من الخارج، تبدو العلاقات ما بين دول الحلف قد تحسنت كثيرا. فالحكومة الألمانية الجديدة لم تحصل على شرعيتها بسبب معارضتها لسياسات بوش. ومساعي فرنسا لتحجيم الهيمنة الأميركية في الخارج قد ضعفت بسبب الاضطرابات الداخلية وبسبب مشاكلها السياسية. وحولت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية موقف الولايات المتحدة المتحفظ من مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع إيران حول الأسلحة النووية، إلى دعم مجد لهذه المساعي.

من الناحية الهيكلية، أظهر الخلاف بروز تحالف ضمن التحالف: فهناك أميركا بوش وبريطانيا بلير، وإيطاليا برلسكوني وبلدان وسط أوروبا والبلطيق التي كانت ضمن النفوذ السوفياتي، وكل هذه البلدان أرسلت وحدات عسكرية إلى العراق. وهي تشكل مجموعة متجانسة ملتزمة بدعم تحقق الديمقراطيات في الخارج عبر وسائل عسكرية إذا كان ذلك ضروريا.

لكن البلدان التي كانت تسير ضمن فلك الاتحاد السوفياتي السابق، والتي نعتها وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بـ «أوروبا الجديدة»، لديها القليل الذي تعرضه في المهام العسكرية للتحالف، حتى لو كان انتماؤها الجديد للناتو يدفعها كي تكون أكثر حماسة للمشاركة في هذه المساعي.

ويعتبر حل الاختلاف ما بين الرغبة في تحمل البيت الأبيض مسعى لاتفيا لاستضافة اجتماع عام 2006 في تاريخ لم يحدد بعد. لكن بعض البلدان الأوروبية تريد أن يعقد الاجتماع في بروكسل تجنبا لإزعاج روسيا وردود فعلها حول عقد قمة الناتو في إحدى دول الاتحاد السوفياتي السابقة.

كذلك هناك قلق بين الدبلوماسيين الأوروبيين من دفع الأميركيين لقمة 2006 كي تكون نقطة تحول في تاريخ الناتو، عن طريق جعله تحالفا عالميا قادرا على القيام بمهام إنسانية ضخمة، وعلى مهام إعادة الإعمار وإنجاز المهام السلمية في شتى أنحاء العالم، بدلا من بقائه على ما كان عليه في السابق كمنظمة تهدف للدفاع عن أوروبا. وجاءت اللمحة الصغيرة عن المهام الجديدة التي يمكن أن تناط بالناتو الجديد في شهر سبتمبر الماضي ، حينما قامت «قوة الرد السريع» التي كانت مشكلة للتو بنقل عشرة أطنان من الأسرّة والخيام وعدد أخرى تم التبرع بها من قبل جمهورية التشيك لضحايا إعصار «كاترينا». ثم في شهر أكتوبر الماضي قامت هذه القوة بمهمة طارئة أضخم من سابقتها حين أنشأت جسرا جويا لنقل 2000 طن من المعدات و300 جندي من الناتو لمساعدة ضحايا الزلزال في باكستان وكشمير.

قد يردد «الأوروبيون القدامى» بأنه يجب عدم تحويل الناتو إلى منظمة صليب أحمر أخرى، ويجب ألا تكون مهام الناتو مطاطية جدا. لكن على أوروبا في هذه الحال أن تقدم مفهومها الخاص لتحالف فعال يلعب دورا أساسيا في تحقيق أمن العالم، بدلا من مواصلة التشكي من النزعة الانفرادية الأميركية.

وهذا بالمقابل يجب أن يدفع إدارة بوش لأخذ الاختلافات ما بين الدول الواقعة على طرفي الأطلسي مأخذ الجد، وليس اعتبارها مجرد قضية إرادة سياسية تخص بعض أعضاء التحالف. كما يجب اعتبارها قضية أساسية يبنى عليها الناتو الجديد، وعلى أساس برنامج مشترك ينتفع منه كل أعضاء التحالف البالغ عددهم 26 بلدا.

«خدمة : واشنطن بوست»