لم يكن متوقعاً أن تتسارع الاحتكاكات السلبية في البيت الفلسطيني، بالسرعة الحاصلة الآن بين حركتي حماس وفتح، فالمؤشرات كانت توحي بمزيد من التفاهم بين الطرفين الأكثر حضورا وسطوة في الخارطة السياسية الفلسطينية، خصوصاً أن حركة حماس دأبت بشكل متواصل منذ فوزها الكاسح في انتخابات المجلس التشريعي على تقديم خطاب (داخلي/خارجي) متوازن، يأخذ بعين الاعتبار الوقائع القائمة على الأرض، بما في ذلك الالتزامات الدولية الملقاة على عاتق السلطة الوطنية الفلسطينية.
وبغض النظر عن مجموعة القرارات التي أصدرها رئيس الحكومة الفلسطينية ووزير الداخلية بشأن تشكيل قوة أمنية من جميع الفصائل الفلسطينية، فان القرار جاء كشكل من أشكال التحدي في ظل الحديث عن «تشليح واستلاب» الحكومة لصلاحياتها من قبل رئاسة السلطة، التي ما زالت حتى اللحظة تدير كافة الأذرع والأجهزة الأمنية ومواقع القوة، وتشرف عليها اشرافاً تاماً بعيداً عن رئاسة الحكومة.
فالقرار الأخير بتشكيل قوة أمنية رديفة لأجهزة السلطة، تم اتخاذه في سياق تأفف رئاسة الحكومة من الاستلاب التدريجي لسلطاتها، خصوصاً أن وزير الداخلية سعيد صيام، كلف جمال أبوسمهدانة كمشرف على القوة إياها، مع استمراره على رأس لجان المقاومة الشعبية في قطاع غزة. فالقرار المتخذ من قبل الحكومة ووزير الداخلية بتشكيل قوة أمنية، والقرار المضاد بإلغائه من قبل الرئاسة، ينذران بالتحول الاستقطابي في القيادة الفلسطينية، وولادة رأسين للقرار في الداخل الفلسطيني، الأمر الذي يعطل سبل الحوار والتوافق الداخلي، ويسهل حركة الضغط الخارجي على الفلسطينيين، ويفتح الطريق أمام استيلاد الحالة اللبنانية (رئيس الجمهورية في واد، ورئيس الحكومة في واد آخر) في فلسطين. وانطلاقاً من المعطيات اياها، يمكن القول بأنه من المؤسف أن قارب شهر العسل الفتحاوي ـ الحماسي على الانتهاء بشكل مبكر، وقبل أوانه، وذلك بعد سلسلة أخيرة من الاتهامات التي أطلقتها حركة حماس بشأن وجود «وزارة ظل» أو «مطبخ» للقرار السياسي، بعيداً عن وزارة الأستاذ اسماعيل هنية، وعلى هذا الأساس أشعل وأطلق الأستاذ خالد مشعل تصريحاته الأخيرة عبر خطابه السياسي بلهجته العالية ومفرداته القاسية في مهرجان حركة حماس في مخيم اليرموك بدمشق، وبحضور وزير خارجية السلطة الوطنية الفلسطينية الدكتور محمود الزهار، وقادة جميع الفصائل الفلسطينية، حيث اعتبرته الرئاسة الفلسطينية بمثابة خطاب توتيري ومثير «للفتنة».
إن حديث «الفتنة» مسألة مبالغ بها، والتلويح باحتمال قدومها مبالغ به أيضاً، فالشعب الفلسطيني تعلم من دروسه الثمينة، ويعي تماماً بأن الحروب الداخلية لن تكون إلا وبالاً عليه بأسره، كما حدث أوائل سنوات الثمانينات من القرن الماضي في الحروب الفلسطينية/الفلسطينية فوق الأرض اللبنانية، عندما خرج الجميع خاسرين وصفر اليدين. وعلى هذا الأساس فان طريق تفكيك الأزمة الراهنة يمر بالضرورة عبر اعادة تشكيل الوزارة الفلسطينية من جديد على أساس توافقي، بين أوسع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، لا أن تترك حركة حماس وحدها في ميدان «المقارعة» السياسية، في الوقت الذي تسعى فيه حكومة أولمرت لإفشال حكومة الأستاذ اسماعيل هنية، وتحشيد الوضع الدولي ضدها.
ان الأزمة الراهنة تلخص الى حد بعيد : أزمة حركة فتح، كحزب تراجع الى المواقع الخلفية، وأمسى يعاني من تصدعات داخلية منذ فقيد مؤسسه الروحي والمعنوي. وأزمة حركة حماس، كحزب صاعد الى مواقع السلطة ومستوجباتها واستحقاقاتها، في ظل خطاب شعبوي اعتمده في مد نفوذه وبسط جماهيريته بين أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل. ومن هنا، تقع على عاتق حركة فتح مهام استثنائية باعتبارها «أم الولد» والشريك الفاعل والمؤثر لحركة حماس في الساحة الفلسطينية، «قبلت بعض أطر حركة فتح أم لم تقبل»، خصوصاً أن المنطق الابتلاعي البعيد عن التشارك السياسي وفق المساحات المشتركة، أصبح خارج التاريخ الفلسطيني، ولم يعد بامكان أحد أن يتحدث بلغة بائدة عنوانها «انقلاب قسري» على النتائج التي تمخضت عن انتخابات 25/1/2006، أو سل سيف المقاطعة بوجه حكومة اسماعيل هنية، بما في ذلك تأليب الجمهور الفلسطيني، ومحاولة خلق احتكاكات سلبية لا طائل منها. كما أن حركة حماس بحاجة ماسة الى حركة فتح الضليعة في تجربتها السياسية في الميدان العربي والدولي.
* كاتب فلسطيني