كتابة وتفكير بين ألسنة الدخان

TT

لماذا أشعر ولكأني بدأت الكتابة مع تلك الأيام قبل ثلاثين عاما، أستمع إلى البي بي سي في خدمتها العالمية لأنتهي بمشاهدة قناة الطقس. فقد طرت يوم الاثنين الماضي إلى لوس أنجليس عبر سحابة رمادية تكونت من نيران الغابات المشتعلة على الجبال شرق المدينة، مع أني لم أستطع رؤية النيران من الجو وإنما الدخان فقط كما هو خارج من حمم البراكين، ومع ذلك فهناك ما هو وحشي وتاريخي في ذلك الدخان، لأنه بدا لي كما لو أنه أمر يقول لك بالمراوحة إما بنهاية العالم أو بدايته، لأنني همهمت إلى نفسي وأنا أنظر إليه من نافذة الطائرة: لم يسبق لي رؤية مثل هذا الشيء من قبل.

ومع ذلك فتقديري أن المرء وجب له أن لا يركن للاستقراء مع تغيرات المناخ من الوقوف على حالة واحدة أو فصل واحد، مع أن الأمر يبدو أننا ظللنا على الدوام في قراءتنا للتغيرات المناخية نصطحب عبارة تالفة تقول لك: منذ أن تم ّحفظ السجلات، كما حدث مع تقرير لوس انجليس تايمز يوم الاثنين مع تقريرها عن النيران، وقد لاحظ التقرير أن قارئي الطقس من خدمة الطقس الاتحادية لم يستطيعوا أن يتنبأوا بمثل هذه الرياح الكثيفة في جنوب كاليفورنيا، كمنطقة يقول لك خبراء الأرصاد من مضابطهم أنها تعيش أكثر سنواتها جفافا.

ومن ثم بدأ سؤال ملحاح يطرق الأذهان منذ أن بدأنا نلحظ أحداثا مثل إعصار كاترينا ونيران كاليفورنيا الوحشية. وقد سألت صديقتي نيت لويس، وهي كيميائية في الطاقة بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، ما هي صيغة السؤال؟ ففكرت للحظة وقالت: هل سألنا السؤال في الأصل؟، ولكنها مضت لتقدم السؤال ولأول مرة بصيغته الحالية المعاصرة فطرحته على هذا النحو:

هل تأثير الإنسان التراكمي على المناخ يتحمل نفس المسؤولية تجاه متغيرات المناخ كما تتحملها أمنا الطبيعة نفسها؟ ومن هنا قالت إن طرح هذا السؤال يفضي الى وصولنا لقناعة جديدة تقول إن ما اعتدنا على تسميته مع تغيرات المناخ أفعالا من الإله، هي في حقيقتها أفعال من الإنسان.

ومضت تتساءل: هل نحن الذي جعلنا كوكبنا أكثر حرارة أم أنه صنع ذلك بنفسه، هل صنعنا ذلك الجفاف أم صنعته الطبيعة على نفسها، نحن لم نعد نعرف، مع أن نشاط الإنسان الاقتصادي قد أضفى على نظام أمنا الطبيعة ما يكفي من ثاني أوكسيد الكربون.

وعودة لنشرات الأخبار، فقد أصبحنا نعرف تماما أن قناة الطقس بدأت تزحف تدريجيا لتصبح قناة أخبار، فالأخبار المحلية في العاشرة مساء اعتادت على افتتاح موجزها بعبارات: الأخبار. الطقس.. الرياضة.. وإني لأخشى أنها ومستقبلا، ولمخاطبة أطفالنا ستكون: الطقس والأخبار الأخرى والرياضة.

وتقول د. هيدي مولن خبيرة المناخ بقناة الطقس والأكاديمية سابقا بالمركز القومي لأبحاث المناخ، مازحة لترويج نقلة الاهتمام بأخبار الطقس: من الأمور التي يحبها الناس دائما مع قناة الطقس أن أخطاءها ليست خطأ يمكن نسبته لأحد، وبالتالي فنحن لا نخرج أصابعنا لنشير إلى هذا أو ذاك، فأخبار الطقس ليست سياسية، ثم جاءتنا كاترينا، وفجأة لم يعد الطقس هو الطقس الذي عرفناه، وأعني أخباره، فقد أصبحت شيئا آخر، وفجأة أصبح الطقس والمناخ من أخطائنا.

ولكن هيدي أبدت ملاحظة أخرى لتقول: يجب ألا ينظر أحد إلى واقعة مناخية واحدة ليقول: هذا هو الاحتباس الحراري وصورته، وإنما، وفي مكان ذلك، يكون عليك أن تنظر إلى أوراق الشجر والسدود في نيو اورليانز لتقول: هذا هو سوء البنيات الأساسية واضح للعيان، وذلك طريق تفكير كناتج بالطبع لعصر تنذر فيه أغلبية عظمى من العلماء بأن الاحتباس الحراري سيجعل البحار ترتفع والعواصف أكثر قوة وموجات الحرارة والجفاف أطول وأعمق. ومن هنا فتوعية المجتمع لمجابهة هذه الاحتياجات الجديدة من البنيات التحتية والأساسية تصبح مهمة ضخمة، لتصبح معها شبكاتنا الكهربائية ومواسير المياه أمرا ملحا وعميقا، والى حد أن الجفاف الذي يضرب ولاية جورجيا الآن قد دفع بعض العلماء لأن يقترحوا أن نعطي أنماط الجفاف أسماء كما فعلنا مع الأعاصير، وتقول كولن هنا أننا وإذا فعلنا ذلك فهذا الجفاف الجنوب شرقي سيسمى كاترينا وسيقترب من أن يضرب ولاية أتلانتا. وربما يجعل ذلك الناس يركزون أكثر على البنيات الأساسية، والتي ربما لا تبدو جاذبة من وجهة نظر كولن، ولكن أهميتها في ارتباطها بحياة المجتمع وبقائه، وستصبح أكثر أهمية في عصر ستصبح فيه قناة الطقس مثل اسطوانة مشروخة، تعيد كل يوم عبارة: ها قد حطمنا للتو رقما جديدا.

وأخيرا، فهيدي تقول إن المقارنات تخلق أجواء الحوار، فحينما ينظر الناس الى شيء، ويحسون أنهم مرتبكون تجاهه، فذلك هو الوقت الذي يبدأون فيه بالكلام، ففي العادة سابقا، وحينما نحصل على يوم بمناخ جميل في أواخر الخريف أو الشتاء، نسميه على الفور (هدية)، فيما نحن الآن هذه الأيام نعيشه وداخلنا هاجس بأننا سندفع ثمن جماله.

* خدمة نيويورك تايمز