لبنانيات: لا صحة لما يشاع

TT

ثمة اشتباه واسع النطاق حول العالم بأن لبنان ساحة للصراعات واحتدام المواجهة بين بعض القوى الدولية، مثل اميركا وفرنسا، وبين بعض القوى الاقليمية، مثل سورية وايران. ولست ادري على ماذا تبنى هذه التهمة، او هذا التخيل. ها هو الموقف السوري قاطع على لسان وزير الخارجية الدكتور وليد المعلم الذي قال في اسطنبول بالحرف: «هذا موضوع لبناني يقرره اللبنانيون. هذا هو الاحترام الحقيقي لسيادة لبنان واستقلاله».

سبقت المعلم الى هذا الحزم الجازم الدكتورة كوندوليزا رايس: «يجب ان يكون الخيار الرئاسي خيارا لبنانيا حرا من أي تدخل خارجي». وفي هذا الباب من التأكيدات الجازمة صدر تصريح جديد للنائب ميشال عون يقول فيه ان «المهم رئيس حل وليس الشخص». ويحرص السياسيون الايرانيون على استخدام النص الاميركي او السوري في تأكيد عدم التدخل والتشديد على «احترام إرادة اللبنانيين». وخلال الحرب الاهلية كانت واشنطن تكرر كل يوم (باستثناء عيد الشكر وذكرى الاستقلال) حرصها «على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه».

وفي زيارته الاخيرة الى لبنان التقى الدكتور المعلم اكثر من عشر شخصيات سياسية من مختلف الانتماءات. وعقد في نهاية الزيارة التي استمرت ثلاثة ايام مؤتمراً صحافياً استهله بالقول: «معروف ان سورية ترفض التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية». ولكن ما ان التقى المعلم وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير في اسطنبول، حتى كان لبنان ثالثهما. وكذلك في اللقاء مع رايس. وقد حضر من واشنطن مساعد وزيرة الخارجية ديفيد ساترفيلد الذي امضى سنوات طويلة سفيرا في لبنان، وقيل انه شارك في القرار 1559 الذي فجَّر بقية الأوضاع وأدى الى الوضع الحالي. ودعا هو ايضا الى ترك لبنان بحاله.

هناك موقف دولي عربي إقليمي يشبه اللازمة، عن ان الخيار الرئاسي قرار لبنان. وهذه إشاعة جميلة يصدقها اللبنانيون حتى الطرب. واحيانا حتى الجنون. ثم يعلو صوت صادق مثل صوت السيد محمد حسين فضل الله فيقول بكل صراحة وكل بساطة وكل معرفة إن «القرار الرئاسي في الخارج»، وإلا لماذا تسافر رايس فيأتي كوشنير ويسافر كوشنير فيأتي داليما ويسافر داليما فيأتي باباجان ويسافر باباجان فيأتي فيصل ابو الغيط.

الجميع يريدون رئيساً توافقياً. لكن التوافق هنا هو التوافق معي لا مع خصمي. وحتى المحايد لا يُعتَبر توافقياً لأنه يمكن في اي لحظة ان يقفز في هذا الاتجاه او ذاك. لا بد ان يكون التوافقي مضمونا ومجربا في مدى التوافق والاتفاق. وهناك شروط ومواصفات عربية اقليمية دولية لا بدَّ من توافرها.

اما المواصفات والشروط اللبنانية فهي آخر الهموم. لأن رئيس هذه الدولة الصغيرة عليه ان يكون مرشح حروب الدول الكبيرة وسلامها وصفقاتها. وليس على نواب لبنان سوى الاقتراع.

الى اللقاء