يوم الجمعة استيقظ العالم العربي على أنباء استيلاء ميلشيات حزب الله على بيروت الغربية، وصور السلاح في الشوارع وحرائق في المباني، ومحاصرة زعماء الحكومة والأكثرية في بيوتهم. كان الكابوس الذي يرفض الجميع أن يصدق بإمكانية حدوثه مهما اختلف اللبنانيون وفي النهاية وقع.
وفي صباح السبت التالي استيقظ العالم العربي على أنباء قيام متمردي دارفور بالاستيلاء على ثاني اكبر المدن السودانية، أم درمان، والصباح الذي تلاه استيقظوا على أنباء معارك في محيط العاصمة الخرطوم وإغلاق مطارها. لم يكن يتخيل أحد أن تنتقل المعارك من دارفور البعيدة الى العاصمة؟ لا أحد أبدا.
فهل هو موسم وسادة الأحلام المزعجة أم العلة في الراقدين أنفسهم؟
أكثرية الناس تريد ضمان الاستقرار، ولا يهمها كثيرا من يصل ويحكم ويتوزر، لكن يأبى السياسيون إلا أن يأخذوا بلدانهم رهينة عندما يختلفوا. فالأهون والأقل كلفة على فريق ما هو الاستيلاء على مدينة، أو المحافظة عليها بالقوة، بدل العودة الى الناس، واعتماد نظام شرعي يحتكم إليه.
قالت إحداهن ترد على الذي سألها عن رأيها في الأزمة اللبنانية: «يا أخي إحنا ما تهمنا السياسة، كل اللي يهمنا طريق المطار». وأعتقد أن هذا حال الغالبية الساحقة من عامة الناس، أما السياسيون فإنهم يختلفون على المصالح الشخصية، تهمهم المناصب وسيقطعون طريق الفرار أمام المدنيين الى المطار أو الميناء أو أي منفذ، إنهم رهائن بالملايين. وسيستمر الساسة في اختراع قضايا متعددة من اجل الوصول أو البقاء في السلطة، لكنها عادة لا تستمر والبلاد ولا تستقر.
ولا ضير في أن يمضي السياسيون مائة عام في الصراع، ولهذا اخترعت وسائل مثل المجالس البرلمانية، لكن العلة الكبرى أن صراعهم يؤدي الى تعطيل المصالح العامة. وعندما قال الشخص العادي أن المهم ان يكون طريق المطار مفتوحة، لأنه يريد ان يفر في أسوأ الحالات الى ابعد مكان في العالم عن بلده، الذي لا يحترم القادة فيه أمنهم وسلامتهم ومعيشتهم ومستقبل أولادهم.
وليس مصادفة انه لم يبق في لبنان الذي عرف الكثير من الاضطرابات سوى ثلاثة ملايين مواطن، حيث هجره وهاجر الى أنحاء العالم أكثر من 13 مليون لبناني في القرن الماضي. تجدهم قد لجأوا الى دول فقيرة في أفريقيا، واستوطنوا في دول بعيدة مثل البرازيل وأستراليا، حيث لم يتركوا مكانا يستقبلهم ويعطيهم الفرصة إلا لجأوا إليه.
أيضا، هناك أكثر من أربعة ملايين سوداني معظمهم غادر بلاده الى أنحاء العالم خلال السنوات العشرين الماضية رغم أنها سنوات اكتشاف النفط السعيدة. إن نعمة الاستقرار أعظم من غيرها في الحياة المدنية.
لهذا لم ينقطع هروب ملايين العرب الذين تركوا بلدانهم لأسباب اقتصادية، ومسبباتها غالبا سياسية، ولا يزال آلاف العرب يقفون في طوابير السفارات الأجنبية طلبا للهجرة لأنهم لا يريدون أن يذهبوا كل مساء الى فراشهم قلقين من أي صباح سيستيقظون.