يطلق على رحلة الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنها الرحلة الوداعية، وهو وصف ناقص، وغير مكتمل لرئيس يُوصفُ بالبطة العرجاء، وإن كان تشبهه بالسفينة العملاقة «التايتنيك» بعد ارتطامها بجبل الجليد المغمور هو أقرب للحقيقة. فهذا الرئيس وصلت معدلات الرضا عنه إلى درجة من التدني لم يبلغها أي رئيس في السابق، سواء ريتشارد نيكسون أيام فضيحته الكبرى «ووترغيت»، أو بيل كلينتون إبان مغامراته الطائشة مع متدربة البيت الأبيض، مونيكا لوينسكي. واليوم يطل بوش في جولة أخيرة بالشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تشهد على إخفاقاته الكبرى؛ فها هي الحربُ في العراق التي بنيت على حجج واهية تخلف أرتالا من الضحايا الأبرياء، سواء كانوا من جيش الاحتلال الأمريكي أو من الأبرياء العراقيين. وكذلك فشل بوش في تحقيق وعده الشهير بقيام دولة فلسطينية، خصوصاً في ظل الاعتداءات الإسرائيلية السافرة المستمرة على الأبرياء الفلسطينيين، وكذلك استمرار التوسع الاستيطاني السرطاني من قبل إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في تحدٍّ وقح لكافة القرارات الدولية والحقوق الواضحة. والآن يطلب بوش من دول الخليج محاولة «خفض» أسعار النفط، وذلك بأسلوب بعيد عن الواقع، وإن كان لا يمكن إغفال «تأثير السنة الانتخابية» في الولايات المتحدة وضروريات الدعم الحزبي بتوجه كهذا وفرضيات ذلك. إلا أن هذا الطلب لا يمكن أخذه بعيداً عن الوضع العالمي المتضخم في كافة السلع والخدمات. فالقمح والحديد والاسمنت والخشب والورق والأرز وغيرها من السلع، جميعها بلغت مستويات قياسية غير مسبوقة، فلماذا يطلب استثناء سلعة النفط فقط والعمل «بقوة» على تخفيضها، أوليست السلع الغذائية أهم وأبلغ أن يتم محاولة تخفيض الأسعار فيها! الإجابة طبعاً نعم، ولكن إمكانية تحقيق ذلك تبقى صعبة في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية المتغيرة الجديدة. مع عدم إغفال أنه منذ أن صرح بوش بتهديداته ضد إيران والبترول في اتجاه سعري تصاعدي محموم، علما بأن أولَ تلفظ سلبي ضد إيران كان مستوى أسعار البترول أثناءه عند 67 دولاراً للبرميل الواحد، وبالتالي كانت لبوش مساهمة مباشرة في توتير المنطقة، وبالتالي زيادة قلق المنتجين والمتداولين والمتعاملين مع سلعة النفط بكافة أشكاله. وحقيقة حين التمعن في سبب زيارة بوش للمنطقة الآن، لا يمكن إغفال جانبِ تحضيره لحياة ما بعد الرئاسة، وفتح مجالات الفرص الترويجية لشخصيته كمتحدث عامٍ أو مروجٍ للشركات الاستثمارية العملاقة مثله مثل مَنْ سبقه، غير أن هناك سؤالا مباشرا بدون خجل: مَنْ سيعينه على الترويج لشركته؟!