الحريق الطائفي الأخير بين السنة والشيعة في لبنان أمر خطير لا يمكن تحاشي الحديث عنه، وليست المشكلة في طائفية هذه الأحداث فحسب، ولكن الخطورة أيضا في حشر كل الناقدين لبعض الممارسات الخاطئة في خانة الطائفية لمجرد أنهم انتقدوا طرفا فيها، كما حصل للذين انتقدوا حزب الله بعد انقلابه الأخير واحتلاله لبيروت الغربية وما صاحب الاحتلال من أحداث مؤسفة.
هذه الحساسية المفرطة في التعامل مع الشأن الطائفي وعدم التخطئة أو الانتقاد قد تكون لها أيضا نتائج عكسية تعزز من مشكلة الطائفية وهذا المعنى قريب من تفسير الحديث «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما»، وكان السؤال عن كيفية نصرة الظالم، فجاء الجواب بردعه عن ظلمه، وهذا في ظني ينسحب على أي ظالم بغض النظر عن مكانته أو طائفته أو جنسيته.
الطائفية لها مظاهر شتى، منها الانتقائية في النقد والتجريم، فحين يقوم شيعة مثلا بتفجير مسجد لأهل السنة في بغداد فمن الطبيعي أن تجرم هذه الفعلة وتشنع بمن ارتكبها، وحين يقوم سني بعمل انتحاري في حسينية للشيعة في النجف فهي أيضا جريمة تستحق الشجب والتنديد، ولكن الجريمة «الطائفية» الأخرى تكمن في تجريم إحداها والسكوت عن الأخرى، وأم الجرائم الطائفية أن تبرر هذه الجريمة أو تلك، في ذات الوقت ليس من الصواب أن تسكت عن التنديد بهذه الجرائم بدعوى عدم الولوغ في وحل الطائفية، وهذا بالضبط ما لم يفهمه كثير ممن لم يعجبه الهجوم النقدي المبرر على حزب الله بعد تصرفاته التي عززت من الإشكال الطائفي في منطقة الشرق الأوسط التي تعيش أصلا على صفيح ساخن.
إن ما حدث في لبنان ليس معركة أنداد ولا حربا أهلية متكافئة بين السنة والشيعة، فحزب الله المؤدلج إلى أخمص قدميه يمتلك جيشا حقيقيا لا تملك عدده ولا عدته ولا كفاءته بعض الدول العربية ناهيك عن الجيش اللبناني البسيط الذي تنخره الصراعات الحزبية وتفتك به الولاءات الطائفية، أما السنة في لبنان على وجه التحديد فميليشياتهم إن وجدت فهي أشبه بفرقة كشفية صغيرة، أو شركة حراسة حديثة النشأة، لهذا نددنا بهجمة حزب الله على بيروت الغربية ذات الكثافة السنية وجرمنا ممارساته فيها، ولو أن ميليشيات سنية فعلت في صور ذات الكثافة الشيعية ما فعلته عناصر حزب الله في بيروت الغربية لنددنا بفعلتهم.
لا يستطيع أحد أن يساوم علينا باسم الطائفية، فنحن الذين نالنا بسبب هذه المواقف الكثير من العنت والحرج الشيء الكثير، وأذكر أننا حين نددنا باستهداف حسينيات الشيعة في العراق ومساجد الشيعة في النجف وعدم جواز استهداف مساجدهم مهما كثرت اعتداءاتهم على مساجد السنة بل وعدم التشفي من الخسائر البشرية أو المادية عند هذا الطرف أو ذاك، اتهمونا وقتها بالتميع العقدي وتذويب الفوارق المذهبية.
حين تتحدث عن موضوع فيه نزاع طائفي، أنت في الحقيقة تدخل حقلا مليئا بالألغام، أو بالأحرى تدخل مباراة حكمها (موسوس) جدا يرفع كرته الأحمر لمجرد أن تلامس رجلك الكرة وليس فقط لمخاشنة لاعب آخر، والكرت الأحمر المرفوع هنا هو كرت الطائفية، والحل في رفع هذا الكرت في الوقت المناسب والمكان المناسب ولمن يرتكب خطأ واضحا فاضحا مثل ممارسات حزب الله في لبنان، ولا يشهر الكرت الأحمر في وجه من ينتقد الظالم ليردعه عن ظلمه فيجنب المنطقة كلها فتنة طائفية عمياء لا تبقي ولا تذر.