فلنخف من فضلكم

TT

لا شك في أن الحياة مليئة بالمآسي. وفي صباح يوم الجمعة الماضي، كنت أتصفح موقع «ريل كلير بوليتكس» على الإنترنت، مثلما أفعل كل صباح، لأتناول الجرعة المعتادة من الأخبار والتعليقات السياسية. وقد شعرت بالسعادة عندما رأيت مقالا بعنوان «تحدث رقم 44» وقلت لنفسي لقد تحدث هانك آرون. يا لها من مفاجأة سارة. لكنني أدركت أن كاتب المقال هو جيرهارد سبورل وهو مدير تحرير الديسك الأجنبي في «دير شبيغل». كما أن رقم 44 يشير إلى الرئيس المقبل للولايات المتحدة.

وخلاصة هذا المقال أن باراك أوباما سوف يكون هو الرئيس 44 للولايات المتحدة، وأن مسألة انتصاره تعتبر محسومة: «فأي شخص رأى باراك أوباما في ساحة سيغيسول في برلين يوم الخميس، كان يمكنه إدراك أن هذا الرجل، سوف يصبح الرئيس 44 للولايات المتحدة».

إذا فقد كان الكاتب أحد الصحافيين الذين يتوددون إلى أوباما. لقد كان ذلك أمرا مخجلا. لكن ذلك الخجل قد تغير إلى شعور أفضل منه، ألا وهو شعور الضيق. لكنني أعتقد أن الأميركيين سوف يقررون أنه من الأهم بالنسبة لهم أن يكون جون ماكين قائدا أعلى للقوات المسلحة، بدلا من أن يكون باراك أوباما قائدا أعلى لفن الخطابة.

ولكن في صباح اليوم التالي، كنت أتجول بسيارتي في شوارع واشنطن، وشاهدت سيارتين ـ وليس سيارة واحدة ـ مزينتين بالملصق الكبير لحملة أوباما «هل لديك أمل؟» فعدت إلى شعوري بالضيق مرة أخرى. هل لديك أمل؟ فهل حياة جيراني لا تساوي شيئا حتى يضعوا آمالهم في باراك أوباما؟ وهل يغرهم مثل هذه الشعارات البراقة؟

وماذا يقصد أولئك الذين وضعوا مثل هذا الملصق؟ هل يعتقد هؤلاء أن المواطنين الذين يفضلون ماكين ليس لديهم أمل؟ أليس لدى مؤيدي ماكين أمل في أن تكسب أميركا حروبها، وأن تحمي الأطفال الذين لم يولدوا بعد، وأن تحقق مزيدا من الرخاء لأجيالها المقبلة؟ وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، قرأت تقريرا عن خطاب تمويل من أوباما بالنيابة عن لجنة الحملة الديمقراطية جاء فيه «يجب علينا أن نضمن تحقيق الغالبية الديمقراطية».

لكنني فكرت في ذلك الأمر مرة أخرى، وقلت لنفسي إن ضمان تحقيق الأغلبية الديمقراطية من خلال رجل واحد، سوف يجعل من هذه الأغلبية أمرا مشكوكا فيه. كما أن عدم شعبية الكونغرس الحالي الذي يمثل الديمقراطيون أغلبيته وكذلك ما حدث من خلاف حول انتخابات 2006 و1994 يمكن أن يخدم تحول الناخبين إلى ماكين بدلا من أوباما.

وعندما فكرت في ذلك، شعرت بالبهجة مرة أخرى. لأن الأمر أصبح واضحا عندما نصل إلى نوفمبر (تشرين الثاني) حيث سوف يستمر الديمقراطيون في تمثيل الأغلبية في الكونغرس خلال العامين المقبلين. ولكن إذا اختار الناخبون أوباما رئيسا، فإن ذلك يعني أن باراك أوباما ونانسي بيلوسي وهاري ريد، سوف يتحكمون في مستقبلنا. وفي عام 1948، أصبح الكونغرس الذي فاز الجمهوريون بالأغلبية فيه، بعد أن ظل الديمقراطيون يمثلون أغلبيته لعقد ونصف من الزمان، مفتقدا للشعبية. وقد وصفه هاري ترومان بأنه لا يفعل شيئا. وسوف نسمع في هذه الأيام كثيرا من جانب ماكين حول عيوب الكونغرس.

وسوف يصر ماكين على أنه إذا كنا لا نفضل الكونغرس الذي يمثل فيه حزب أوباما الأغلبية حاليا، فإن علينا أن نخاف من فوز أوباما بالرئاسة. ومن ناحية أخرى، إذا انتخب ماكين رئيسا، فإن ذلك ربما يغير النظرة السلبية للكونغرس.

ثم بعد ذلك، استغرقت في حلم اليقظة حيث كانت ليلة الانتخابات، وكان جون ماكين يلوح للناخبين وحوله مقال صحيفة «شبيغل»، «تحدث رقم 44» ـ مثلما كان هاري ترومان يفعل منذ 60 عاما، حيث كان يلوح بالطبعة الأولى لصحيفة «شيكاغو تريبيون» يوم 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 1948، وقد كتب على صدر صفحتها الأولى «ديوي يهزم ترومان».

إن الحياة مليئة بكثير من المآسي. لكنها مليئة بالمفاجآت كذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»