حينما اغتيل السادات كان قتلته يراهنون على أن يحدث مقتله قدرا من الفوضى تمكن أتباعهم من استثمارها في الانقضاض على الحكم عبر تطبيق تكنيكات إدارة الفوضى، ولكن السلطة في مصر استطاعت أن تضبط الأمر سريعا، وجنبت البلاد الدخول في نفق الفوضى.. ووثيقة «إدارة التوحش»، التي تم ضبطها مع بعض المقبوض عليهم تستند الى نفس الفرضية، وهي فرضية فشلت في العراق، ولبنان، والجزائر، وغيرها.. وتستحضر هذه الفرضية تجربة طالبان القصيرة في افغانستان، التي لم تلبث أن اصطدمت بالمجتمع الدولي، حيث استثمرت طالبان الصراع بين زعماء الحرب الأفغان بعد رحيل السوفيات، ودخول البلاد في حالة الفوضى أن تستغل حاجات الناس إلى الأمن للهيمنة، وفرض سلطانها..
وتعتمد استراتيجية وثيقة «إدارة التوحش» بعيدة المدى ثلاث مراحل هي:
المرحلة الأولى: وأطلقوا عليها «شوكة النكاية والإنهاك»، وتستهدف إحداث الفوضى من خلال ضرب المنشآت الاقتصادية والأمنية وتنويع وتوسيع ما أطلق عليه ضربات النكاية.
المرحلة الثانية: إدارة التوحش.. وتأتي بعد الوصول إلى مرحلة الفوضى، باستغلال حاجات الناس إلى الأمن والغذاء والدواء للهيمنة عليهم.
المرحلة الثالثة: مرحلة شوكة التمكين ـ قيام الدولة.
بصورة عامة يمكن القول إن أجندة هذه الاستراتيجية تستهدف إحداث الفوضى التي تمكن أتباعها من تطبيق برنامجهم، الذي أطلقوا عليه إدارة التوحش، أو إدارة الفوضى المتوحشة للانتقال إلى مرحلة التمكين، والهيمنة، وهم يرفعون خلال كل المراحل شعار «اعتماد القوة»، وتناسل الحروب، ويرون أن تحقيق الغايات يتطلب الشدة والغلظة والإرهاب والتشريد والإثخان.
وفي ظل هذه المنهجية التي تتبناها الوثيقة تتعاظم الحاجة إلى المواجهة الفكرية، التي هي مسؤولية العلماء والمفكرين والكتاب ورجال التربية، إذ أن ثمة حالة من الاسترخاء لدى الكثير من هؤلاء بالركون إلى المنجز الأمني ونجاحاته الاستباقية، وحالة الاسترخاء هذه تشكل الثغرة في جدار المواجهة الشاملة التي عبرت وتعبر من خلالها الكثير من الأفكار التي حولت بعض شبابنا وناشئتنا إلى مشروعات انتحارية لتحقيق أجندة تلك الاستراتيجية في مناطق الصراع كالعراق، وأفغانستان، ومخيم نهر البارد في لبنان، وغيرها من المناطق الملتهبة..
فهل يقوم هؤلاء بواجباتهم ليتقاسم المسؤولية الجميع؟