التعليم الجامعي في العالم العربي تحت المجهر

TT

إن الأهداف الأساسية للجامعات في كل أنحاء العالم هي التعليم والبحث العلمي والخدمة المتميزة للمجتمع. ويكون ذلك بتخريج أجيال مدربة تدريبا نظريا وعمليا لتشارك مشاركة فعالة في خدمة خطط التنمية. وبالنظر لتزايد عدد الطلاب في معظم الجامعات العالمية من سنة إلى أخرى ورغبة تلك الجامعات في تقليل الكلفة قدر الإمكان وفي الوقت نفسه تحسين المستوى العلمي للطلاب، لكي تحافظ على مكانتها العلمية العالمية، فقد وضعت خططا لتطوير إدارتها وكادرها العلمي للوصول إلى ما تصبو إليه. والملاحظ أن معظم أقسامنا في جامعات العالم العربي هي أقسام تدريسية، وأن البحث العلمي محدود مقارنة مع قريناتها من الجامعات المتطورة. وبالرغم من تركيز جامعاتنا على الجانب التدريسي نلاحظ هنالك فجوة كبيرة بين مستوى أداء خريجي جامعاتنا وخاصة من الناحية العملية ومستوى أداء خريجي الجامعات المتطورة. وهذا يرجع بدون شك إلى وجود بعض المعوقات التي تواجه التعليم الجامعي والتي سوف أركز عليها مع بعض الحلول العملية وتاركا مناقشة معوقات البحث العلمي في مقالة قادمة:

* نلاحظ أن الجزء العملي لا يزال يدرس بشكل نظري أو بشكل يعتمد على الملاحظة العملية بدون أن يعمل الطالب بنفسه، مما يجعل قابلية الطالب العملية ضعيفة ويبعث عنده الضجر والملل ولا يستفيد من المادة العملية إلا بشكل سطحي وقد يكون امتحان العملي نظريا أيضا، وهذا يعني أن الطالب الذي يستطيع أن يحفظ عن ظهر قلب هو الطالب المتميز في جامعاتنا لأن تقييمه كله مستند على امتحان نظري. ولذلك فإن الطالب خريج الجامعات العربية يفتقر إلى الخبرة العملية وهذا ما يلاحظه المشرفون على الدراسات العليا وكذلك المؤسسات التي تستخدم هؤلاء الخريجين في دوائرها. لذا يجب الاهتمام بالجانب العملي وأن يكون تقييم الطالب على أساس قابليته على العمل بنفسه في المختبر، وكذالك كتابة التقارير المعملية والعلمية أو ما يسمى بصياغة المعلومات والإجابة على الأسئلة المتعلقة بالمادة العملية. نحن بحاجة ماسة إلى التدريب المستمر إلى الكادر العملي بدورات عملية يتعلم فيها التكنيكات المختلفة في داخل القسم أو الجامعة أو خارجها.

* الإشراف العملي والبطالة المقنعة، حيث تقوم بعض الجامعات بتعيين مشرف للعملي على أستاذ العملي، فهذا الإشراف يعتبر مضيعة للوقت، إذا كان أستاذ المادة العملية يحمل شهادة الماجستير أو الدكتوراه، وخاصة إذا كان نفس العملي يعطى لعدة مجاميع ومكرر. أعتقد أن الاكتفاء بالاجتماع المنظم بين مدرس النظري والعملي لتقرير المادة العملية يكفي لغرض تحديد متطلبات المادة العملية. وهذا يمكن أن يوفر الوقت للأستاذ المشرف في أن يصرف وقته في البحث أو إعطاء محاضرات وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

* فقدان التعلم والعمل المستمر للطالب خلال الفصل الدراسي، حيث يلاحظ أن عمل الطالب من بداية الفصل الدراسي وحتى الامتحان الفصلي الأول هو حضور المحاضرات والمختبرات في حين يجب أن يقوم بعمل مستمر خلال الفصل، وذلك بقيام الأستاذ الجامعي بتكليف الطالب بتلخيص بعض الفصول من المنهاج الدراسي أو توجيه أسئلة للطلاب من مختلف الفصول للإجابة عليها أو إعطائه مصطلحات لتعريفها أو إجراء الامتحانات القصيرة والتي يثبت موعدها وليس بشكل فجائي، وفي الجانب العملي يجب كتابة التقارير المعملية للمادة العملية. يعطى الطالب درجات على هذه الأنشطة وكل ذلك يحفز الطالب على العمل والقراءة المستمرة واستغلال وقته وتحضيره المسبق للامتحان وعدم حصر ذالك الجهد في وقت الامتحان.

* أغلب الجامعات العربية تفتقر إلى وجود خطة واضحة للإرشاد التربوي للطالب. بالرغم من أهمية هذا الموضوع وتأثيره على مسيرة الطالب الجامعي، حيث يجب على كل أستاذ جامعي أن يقدم في بداية كل فصل برنامج لطلابه في الإرشاد الأكاديمي ويكون ذلك مثلا عن طريق ثلاثة لقاءات خلال الفصل تتضمن على سبيل المثال مناقشة تعليم الطلاب، الأسلوب الأمثل لكتابة التقارير العلمية، وشرح لوائح الجامعة، وتعليمهم بعض البرامج الحديثة في الحاسوب، وكذالك كتابة مواضيع تخص اختصاصهم. بالإضافة إلى ذلك مناقشة القضايا الخاصة بالطالب في اجتماع منفرد مع الطالب يحدده الأستاذ المشرف على الإرشاد التربوي. وكما هو معمول به في الجامعات المتطورة أقترح أن يعطى للطالب بعد أدائه متطلبات الإرشاد الأكاديمي درجة تتراوح بين صفر إلى خمسة، تضاف إلى أقل درجة يحصلها الطالب في أي موضوع من المواضيع التي يدرسها وبدون تحديد.

* مما لا شك فيه أن استخدام الباوربوينت (PowerPoint) من قبل بعض الأساتذة في الجامعات العربية تطور رائع، ولكنه مع الأسف استخدم كسينما متحركة بل أسوأ من ذلك لعدم فهم بعض الأساتذة الهدف منه. وفي كثير من الأحيان يدخل الطلاب المحاضرة ويخرجون منها بدون فائدة، حيث يعتمد بعض الأساتذة على استخدام الباوربوينت بشكل كامل خلال المحاضرة، في حين أنها طريقه ممتازة وسريعة في المحاضرات العامة والمؤتمرات ويجب استخدامها فقط في تلخيص المحاضرة في نهايتها ويجب على الأستاذ أن يكتب ويرسم على السبورة من أجل تفصيل المادة العلمية وتوضيحها لزيادة فهم الطالب.

* لا يزال أسلوب إلقاء المحاضرات وتوصيل المادة العلمية وصياغتها للطالب ضعيفا، حيث إن بعض الأساتذة في الجامعة غير مدربين على طريقة إلقاء المحاضرات وعرضها بأسلوب ممتع. وأحيانا تلقى المحاضرة على الطالب كما هي مكتوبة في الكتاب المقرر بدون إضافات حديثة أو تسهيل للمادة العلمية؛ فلذلك يرى الطالب أحيانا أن لا فائدة من حضور المحاضرة. هنالك الكثير من الأساتذة المتمكنين في اختصاصهم ولكنهم يلاقون مشاكل كثيرة في كيفية عرض وإيصال المادة الدراسية للطلاب. لذا أقترح أنه من الضروري أن تقوم الجامعات بتطوير قدرات الكادر الأكاديمي بإعطائهم دورات تأهيلية عن طرق إلقاء المحاضرات وتحضيرها ليتمكنوا من توصيل المعلومة للطالب بشكل جيد.

* الأستاذ الجامعي في كثير من الأحيان يستند في محاضراته على مصادر غير حديثة مما يجعل منهج محاضراته غير مواكب للعصر وحتى لا يلبي سوق العمل. لذا أقترح ضرورة تخصيص مبلغ سنوي لكل أستاذ جامعي لشراء الكتب الحديثة المتعلقة بموضوعه. لقد نجحت هذه الخطة بشكل رائع في كثير من الجامعات التي اطلعت على أسباب تطورها. أضف إلى ذلك يجب تزويد المكتبات بالمجلات والكتب الحديثة وهذا يجب أن يكون من أوليات الجامعات التي ترغب في التطور.

* إن اللغة الإنكليزية لبعض أساتذة الجامعة الذين يدرسون محاضراتهم باللغة الإنكليزية ضعيفة والتي قد تنعكس بشكل سلبي على طلابهم لذلك يجب التأكد من مستوى لغتهم قبل تكليفهم بتدريس هذه المواضيع. من الناحية الأخرى بالنسبة للطلاب الذين يدرسون مواضيعهم باللغة الإنكليزية يجب إعطاؤهم كورس مكثفا باللغة الانكليزية في السنة الأولى وليس بجانب المواد الأكاديمية، جنبا إلى جنب وفي نفس الوقت ويجب اختيار أساتذة ذوي خبرة تعليمية جيدة.

* على الجامعات التي تستخدم أساتذة متعاقدين يجب الانتباه إلى التدريب والتأهيل المستمر، حيث إن البعض منهم قد يستمر حسب خبرتي في عمله هناك إلى مدة قد تدوم عشرين سنة فعزل هؤلاء عن التدريب وحضور المؤتمرات العلمية يؤثر بما لا شك فيه على مستوياتهم العملية وتطويرها.

* إن نسب الرسوب العالية للطلاب قد يتعلق بطبيعة ونهج الأستاذ وطريقة تعليمه وعدم دقة ووضوح الأسئلة الامتحانية وليس بالضرورة بالمستوى العلمي للطلاب أو صعوبة المادة الدراسية خصوصا عندما تكون صفة الرسوب العالية ملازمة للأستاذ الجامعي مستمرة من فصل إلى فصل رغم اختلاف مستوى الطلاب بين الفصول الدراسية. ولذلك يجب تدوين نسب الرسوب للأستاذ الجامعي في كل فصل وأن ترفق هذه المعلومات مع نتائج كل فصل لمقارنتها. لذا يجب لفت انتباه هؤلاء الأساتذة إلى ذلك وتوعيتهم على ما تسببه نسب الرسوب العالية من هدر للمال العام والخاص، وذلك ببذل جهود أكبر لتقليل نسب الرسوب، حيث إن فشل الطالب في أيه مادة دراسية سوف يكلف الجامعة والقسم مبالغ إضافية ولكن من الضروري جدا أن لا يكون ذلك على حساب المستوى العلمي للطلاب.

* أرى أنه من الضروري أن الأستاذ الجامعي في بداية كل فصل يجب أن تكون له معرفة مسبقة بمستوى طلابه الأكاديمي أو غيابهم في الفصل السابق عند تدريسهم، وعليه أقترح في بداية كل فصل أن يقوم القسم بتزويد الأستاذ الجامعي بأسماء الطلاب الذين تعثروا أكاديميا أو فصلوا بسبب الغياب في الفصل السابق ويكلف بأن يقوم بمتابعة هؤلاء الطلاب وتركيز جهوده في توجيههم وتشجيعهم على العمل وبوقت مبكر من أجل رفع مستواهم الأكاديمي إضافة إلى جهود المرشد التربوي.

* نلاحظ خلال الفصل الدراسي ليس هناك أي توجيه أو تحفيز للعمل بالنسبة للطلاب المتعثرين أكاديميا أو المقصرين في الحضور المنتظم للمحاضرات. لذلك أقترح تحديد أسبوع في منتصف الفصل (أسبوع تقييم الطلاب) يقوم فيه الأستاذ بمقابله شخصية لهؤلاء الطلاب وتوجيههم. وقد وجد بشكل عملي أن لذلك دورا مهما في تحفيز الطلاب في الجامعات المتطورة لتحسين أوضاعهم الدراسية.

* يشكو الكثير من الطلاب من وجود فجوة واسعة غير مبررة بينهم وبين أساتذتهم بسبب تخوف بعض أساتذة الجامعة من الانفتاح مع طلابهم حتى بشكل معقول. وهذا قد يعود إلى خلفية الأستاذ ونشأته أو الطريقة التي عومل بها في حياته الدراسية؛ ولذلك يجب على الكادر الإداري الانتباه إلى هذا الموضوع وتوجيه الأساتذة إلى معاملة الطالب معاملة حسنة في المحاضرة وخارجها وتقديم كل العون والمساعدة لهم، حيث إن الطالب هو رجل المستقبل وأي تعامل سيئ أو جيد سوف ينعكس سلبيا أو إيجابيا على شخصيته وطريقة تعامله مع طلابه والمجتمع في المستقبل وخصوصا في هذه المرحلة من عمره. ويجب الالتزام بالشعار السائد في الجامعات المتطورة أن الأستاذ الجامعي هو خادم للطالب وليس سيده.

* يلاحظ وجود فرق كبير في كثير من الأحيان بين درجات الطلاب في الامتحان الفصلي والامتحان النهائي وبشكل يلفت النظر، ويشير إلى أن هناك خللا في تقييم الطلاب وطريقة الامتحانات وطبيعة الأسئلة لذا يجب أن يكون تقييم الطلاب يستند على امتحانات متقاربة في المستوى، في الامتحانات الفصلية والنهائية لاختبار قابلية الطلاب.

* يلاحظ عدم وجود تقييم مستقل للأقسام العلمية في نهاية كل عام دراسي من قبل جهة علمية مستقلة عن القسم العلمي. إن عملية التقييم في الجامعات المتطورة تجرى باستضافة أستاذ أو أكثر ذي خبرة تعليمية من جامعات البلد أو خارجها، للقيام بملاحظة تطبيق النقاط التي أشرت إليها أعلاه من التعليم المستمر للطلاب والإرشاد التربوي ونتائج الطلاب وطبيعة الأسئلة ومقابلة مع عدد الطلاب في القسم والاستفسار منهم عن رعايتهم في القسم والمشاكل التي يواجهونها، وبعدها تقدم اللجنة تقريرا فيه توصيات لتحسين الأداء التعليمي في القسم.

* وختاما، تحتاج جامعاتنا بشكل جدي تغيير ثقافة الكادر الإداري التقليدي الذي يمتاز بسمة أساسية هي معارضة أساليب التجديد والتطوير غير المألوفة له من قبل. إن الإدارة الجامعية لها دور أساسي في دفع عجلة التعليم العالي إلى الأمام وكذلك هي المسؤولة عن توجيه الأساتذة إلى الطرق الصحيحة والحديثة المتبعة في جامعات الدول المتقدمة. وكذالك أرى أن على الكوادر التدريسية الجامعية أن تشارك مشاركة فعالة في عملية تطوير عملية التدريس الجامعي بما هو مألوف ومتعارف عليه في الجامعات المرموقة علميا. أعتقد أن جامعاتنا تحتاج إلى عقليات محنكة جديدة لها اطلاع على ما يجري في العالم المحيط بنا والتطور العلمي لكي تستطيع أن تنقل خبرة الجامعات الناجحة علميا إلى العالم العربي.

ويجب أن يكون من الواضح جدا أن دور الأستاذ الجامعي لا يقتصر على إعطاء المحاضرة، فهذا واحد من كثير، ولكن عليه واجبات مهمة أخرى من متابعة الطالب والحرص على رفع مستواه العلمي وأن يكون شاعرا بالمسؤولية وله ولاء واضح لقسمه وجامعته. وأتمنى من أصحاب القرار في جامعاتنا دراسة هذه المقترحات عسى أن تسهم في تطوير المستوى العلمي في الجامعات العربية للحاق بركب التقدم التكنولوجي في الجامعات الأجنبية.

* بروفسور بجامعة كارديف

في ويلز ببريطانيا

[email protected]