خلاف حركتي الجهاد وحماس في غزة يكشف الكثير من خبايا مكونات الحركتين، وتحالفاتهما، وحجم استغلالهما للقضية الفلسطينية، ناهيك عن حجم استغلال الدين، ووطأة المال السياسي على قراراتهما.
الجهاد التي تمر بعجز مالي قاس، لجأت لسلاح الدين ضد حماس، التي بادلتها الرد بالسلاح نفسه، وهو استغلال الدين، وكل ذلك يحدث من أجل تعزيز المواقع الداخلية في غزة، وكذلك في أعين مريديهما.
ليس مهماًً ما يريده الطرفان، الجهاد وحماس، بل الأهم هو ما يتكشف بسبب خلافاتهما، خصوصاً أن غزة معزولة عن أي إعلام محايد، وقاطنيها يخشون قول الحقيقة، ولذا فإن صراع الحركتين بات يكشف ما لا نعرفه. فبحسب التقرير المنشور في صحيفتنا أول من أمس فإن الجهاد تتهم حماس باعتقال عناصرها، والاستيلاء على مساجدها، والاستئثار بالأموال «السنية والشيعية»، وهو ما يبرر الأزمة المالية التي تمر بها الجهاد الآن، والتي كشفتها صحيفتنا قبل أسبوع.
فمن ضمن جردة الاتهامات التي توجهها حماس للجهاد أنها تقوم بترويج المذهب الشيعي بالأراضي الفلسطينية، وتستند حماس في ذلك إلى تشيع بعض عناصر الجهاد، حيث تم نشر صور رمضان شلح، أمين عام تنظيم الجهاد، وهو يزور قبر الخميني.
والغريب أن حماس، في الداخل طبعاً، تهاجم الجهاد على علاقتها بإيران وحزب الله، بينما تدعم إيران حماس مالياً، وسبق أن رأينا قادة حماس يصلون الجمعة في محراب طهران، وأمام الكاميرات.
والأغرب أنه عندما اتهم الدكتور يوسف القرضاوي إيران بنشر التشيع نأت حماس بنفسها عن ذلك، بل إن بعض الداعمين للحركة، وتحديداً داخل الإخوان المسلمين، تجرأوا على شيخهم القرضاوي، وتصدوا له. ولكن اليوم، وإثر خلاف حول المال والسلطة، بين الجهاد وحماس، قامت حماس بمهاجمة الجهاد من على منابر المساجد في غزة بحجة التشيع، ونشر المذهب الشيعي في الأراضي الفلسطينية.
الخلاف حول المال أمر مفهوم، بل ومتوقع، خصوصاً مع أوضاع إيران الداخلية، لكنه كشف حجم استغلال الحركتين للدين سياسياً داخل الأراضي الفلسطينية، وخصوصاً حول الموقف من التفاوض مع أميركا وإسرائيل. فقد صرح مفتي حماس قائلا «ما الذي يمنع محاورة إسرائيل، الإشكال في من يحاور وفي أوراق الضغط التي يملكها، السلطة تخلت عن أوراق الضغط، ومحاوروها ليس عندهم حصانة إيمانية ولا حصانة وطنية».
هكذا بلغ العبث بالجهاد وحماس، حيث يقول مفتي حماس إن مفاوضي السلطة الفلسطينية ليس لديهم حصانة إيمانية، أو وطنية، وهذا يعني أن حماس اختزلت الدين في رؤيتها هي، وعلى باقي الفلسطينيين الالتزام برؤيتها، حيث تجاهلت حماس أن المسيحيين، مثلا، من مكونات الشعب الفلسطيني أيضاً، وقدموا الكثير من التضحيات.
كل ذلك دليل واضح على حجم استغلال تلك الحركات للقضية، ودليل على حجم الفساد المالي، سواء مصادره، وطرق استغلاله، ودليل على حجم العبث السياسي، والاستغلال الديني، فلم يتبق إلا أن تقوم حماس بفحص كل مفاوض فلسطيني لتقف على حجم حصانته الدينية!