هل يمكن أن تعرف بحكاية بهية ابنة الثالثة عشرة ولا تؤمن بالمعجزات؟ بهية نجت وحدها من بين 155 راكبا من ركاب الطائرة اليمنية التي تهشمت وسقطت في المحيط الهندي. سقطت الصبية في اليم في ظلام الليل الدامس وسط السكون وهي لا تجيد العوم. ومع ذلك ارتطمت يدها بشيء فأمسكت به وظلت طافية فوق الماء 12 ساعة إلى أن عثر عليها رجال الإنقاذ على بعد كيلومترات من شاطئ جزيرة من جزر القمر. لم تقو على الإمساك بطوق النجاة فنزلوا إلى الماء وجذبوها إلى الزورق. وفي الطريق إلى المستشفى غطوها ببطانية وقدموا لها ماء محلى بالسكر.
نجت بهية ولم تنج أمها التي كانت مسافرة معها وجالسة إلى جوارها في الطائرة. تلقفها الفضاء وقذف بها بعيدا عن ألسنة اللهب ثم سقطت في مياه المحيط لتعيش وتبقى شاهدا على إرادة الله المانح المانع.
منذ قرأت القصة تجدد خوفي من البحار والمحيطات. أخاف بحيث لا أرى متعة في الرحلات البحرية التي تتحول فيها السفن والبواخر إلى فنادق فاخرة تشق عباب البحر وتقدم للمسافرين شتى ألوان المتع الترفيهية. أخاف البحر بقدر ما يغويني بالنظر إلى زرقته والتفكر في المخلوقات التي تعيش في أعماقه. وحين نصحني الطبيب بممارسة العوم تعلمت العوم في مسبح لا يزيد طوله عن عشرين مترا ولا يزيد عمقه عن متر ونصف. كل هذا الخوف يترجم إحساسي المرتعب من احتمال أن أجد نفسي كما وجدت بهية نفسها وحيدة في ظلام البحر.
المعجزة هي أن بهية عاشت وهلك الآخرون. عاشت لكي تتذكر فتصبح الذكرى محركا قويا لسلوكها في الحياة وفي تفاعلها مع الناس، فتصبح إنسانا أفضل، يؤمن بالله وبالقدر وبأن الحياة جادت عليه بفرصة نادرا ما تتكرر.
الجدير بالذكر هو أن تلك المعجزة بالتحديد لم تكن الوحيدة من نوعها. ففي عام 1972 نجت مضيفة جوية صربية اسمها فيسنا حين انفجرت الطائرة التي كانت تعمل على متنها في الهواء فقتلت كافة الركاب إلا فيسنا التي سقطت من ارتفاع عشرة آلاف متر وعاشت لتروي قصة نجاتها.
وفي عام 1985 اشتعلت إحدى طائرات لوكهيد بعد الإقلاع من مطار رينو كانون بقليل. كانت تحمل 71 راكبا لم ينج منهم أحد إلا صبي في السابعة عشرة اسمه جورج لامسون. شفطه الفضاء الخارجي وقذف به بعيدا عن الانفجار وهو ما زال مثبتا في مقعد الطائرة بحزام الأمان. والطريف أنه نزل من الارتفاع الشاهق إلى مهبط الطائرات في المطار وهبط واقفا.
ولعل أطرف الحوادث وقصص النجاة من موت محقق هي قصة اريكا ديلجادو ابنة التاسعة التي نجت من حادث انفجار طائرة شركة انتركونتيننتال بالقرب من بوجوتا، عاصمة كولومبيا في عام 1995. سقطت اريكا من علو شاهق يفترض أن يسحق جسدها الصغير سحقا لو لم تتلقفها كومة طرية من طحالب البحر التي لفظتها المياه بالقرب من مستنقع.
وفي عام 2003 تهشمت طائرة من طراز بوينج 737 بعد الإقلاع من مطار بورسودان فهلك 116 راكبا إلا محمد الفاتح عثمان الطفل ابن العامين الذي وجدوه حيا بين أغصان شجرة وقد أصابته بعض الجروح.
أين هم الآن؟ وكيف بدلتهم معجزة النجاة؟ كيف يتذكرونها؟ هذه مادة لكتاب تنتظر صحافيا ذا خيال وطموح.