في تاريخ الأدب العربي مذابح باسم الحقد والكراهية، وأحفاد الكراهية أضعاف أحفاد الحب والعشق. فقد جاء علينا حين من الدهر قلنا فيه إن المتنبي شاعر متوسط.. وقالوا: بل ليس شاعرا، انظروا إلى قوله.. وانظروا إلى تراكيبه الفنية وقلة ذوقه.. انظروا..
وكان الشعراء والنقاد ينظرون ويسعدون بذلك.. بأن المتنبي ليس شاعرا؟! وظهرت المقارنات وكتب التقريب بين الشعراء، وهي في غاية القسوة والافتعال. إنها مفردات الحقد والكراهية.
وجاء في مصر من يقول أيضا إن أمير الشعراء شوقي ليس شاعرا عظيما. وإنما هو (نظّام) عظيم.. ولم يترك العقاد لشوقي ميزة واحدة. فكانت للعقاد نظرية وهي «وحدة القصيدة» أو أن القصيدة وحدة عضوية، أي كالشجرة لها جذور وساق وفروع وزهور وثمار بهذا الترتيب. أما في قصائد شوقي فأنت تستطيع أن تضع بيتا في مكان أي بيت.. والمعني يستقيم!
وظهر للعقاد من لا يرحم. الشاعر الأديب مصطفى الرافعي. وكان ينشر مقالات بعنوان «على السفود» ويشوي العقاد ويسلخه في كل مقال. ويرى أنه لا شاعر ولا كاتب ولا حاجة. ويصف العقاد بأنه الشاعر «المراحيضي»، نسبة إلى المراحيض. فقد جاء في قصيدة للعقاد في رثاء كلب له اسمه «بيجو» يقول:
«مرحاضه أعز أثوابنا»..
أي أنه مثل أي حيوان أو طفل صغير يتبول أينما شاء على أي شيء أو أي أحد!
وفى التاريخ نوادر: مثلا، جاء شاعر ظريف في صالون العقاد وقرأ علينا قصيدة جميلة لشاعر ناشئ. فأعجب بها العقاد وراح يرشدنا إلى مواطن الجمال فيها. وفجأة أعلن الشاعر الظريف أن القصيدة لأمير الشعراء شوقي، فقفز العقاد وطارده إلى خارج البيت: اخرج يا ابن الـ..
وفي القرن الحادي عشر في الأندلس ظهر كاتب ظريف اسمه ابن رشيد وله كتاب معروف باسم «التوابع والزوابع» جمع فيه الشعراء كلهم في جلسة.. والكتاب في جلسة. ثم جمعهم من أجل السرقات الأدبية.. وجمعهم في الفصل الأخير مع بعض الحيوانات. وهو لم يكن يجمع بالشعراء والأدباء، وإنما بالجن الذين يوحون إليهم بالأفكار والأشعار.
الكتاب حفلة تكريم أقامها المؤلف لنفسه: بأنه العبقري الذي لا قبله ولا بعده. انتقم من كل حاسديه!