تابعت الجدل الإسرائيلي مع الجانب الأميركي حول المستوطنات، ويبدو أن الرئيس باراك أوباما بدأ منذ تلك اللحظة التي أعلن فيها معارضته لبناء المستوطنات يتذوق مشكلات الشرق أوسطيين، وربما بدأ في ابتلاع حبوب الصداع. «أوقفوا بناء المستوطنات»، وجه تحذيره للجانب الإسرائيلي عندما أعلن استعداده لحل قضية الشرق الأوسط. رسميا أوباما تبنى موقفا رئاسيا أميركيا قديما سبقه إليه رؤساء مثل كلينتون وبوش، لكن إسرائيل أفلحت أن توفر عليهم، كانت تعاند فتضاعف وتيرة البناء والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية لخدمة المستوطنات.
الآن أدخلوه في جدل بيزنطي إسرائيلي حول معنى كلمة وقف البناء. قالوا سنوقف بناء المستوطنات الجديدة لتي لم تُبنَ بعد لكن سنكمل الجديدة التي بدأت تقريبا. رد بلا. قالوا سنكمل الحالية. جاءهم التفسير ممنوع التوسع في المستوطنات الحالية. قالوا كيف لك أن تمنع الساكنين من بناء مدرسة أو مستشفى؟ الإجابة لا. عادوا رابعة لا يُعقل أن تمنع شخصا من أن يبني ملحقا لبيته، ليكون مطبخا، أو موقفا لسيارته! البناء ممنوع، قيل لهم. لكن البناء استمر. سُئل الإسرائيليون لماذا لم تتوقفوا وانتم تعهدتم بذلك؟ قالوا له أنت منعت البناء الأفقي لكنك لم تمنع البناء العمودي.
إنه أمر يدعو للتوتر يزيده توترا أنباء عن محاولة الشرطة الإسرائيلية طرد بعض الأهالي الفلسطينيين من بيوتهم في القدس التي يسكنون فيها منذ عقدين في وقت يطالب فيه المستوطنون بالمزيد من الأسمنت والحديد في سباق مع الزمن لبناء المزيد من البيوت على أراض محتلة، ومحرم دوليا استخدامها. ثم يذهب الجيش الإسرائيلي ويوزع منشورات على الرعاة الفلسطينيين يطالبهم بإخلاء بيوتهم لأيام بدعوى أن هناك مناورات. يمكن أن يدبر الراعي أمر عائلته لكن كيف له أن ينقل مائة من الأغنام؟ وإلى أين؟ وعندما تدخلت إحدى المنظمات الحقوقية الإسرائيلية اكتشفت أنه لم تكن هناك مناورة أصلا بل حيلة لإبعاد المواطنين من أراضيهم.
إن قضايا صغيرة كهذا لن يفيد أوباما معالجتها بالأسبرين فالمعركة الكبيرة لم تبدأ بعد، ويستحيل أن يتفرغ مفاوضو السلام للخلاف حولها، وإلا لتطلب الأمر مائة عام حتى يصلوا إلى القضايا الأساسية. والصداع ليس كله إسرائيليا بل فلسطيني أيضا. فحماس منذ دخول أوباما البيت الأبيض هادنت الإسرائيليين وتفرغت لمناوشة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي الآن تريد لفت انتباه المفاوضين الأميركيين حتى لا يتجاهلوهم حتى لو أدى الأمر إلى التقاتل مع خصومهم من إخوانهم الفلسطينيين في الضفة وتخريب مشروع السلام. المهم أن يلحظهم المبعوث جورج ميتشل ويتناول معهم الشاي.
إلا أن معركة التراجع عن منع بناء المستوطنات يمثل معركة شخصية لأوباما، فهي ستكشف فيما إذا كان قادرا على أن يخوض الحرب الكبيرة، حرب المفاوضات على الأرض والحدود والقدس واللاجئين ونزع السلاح والتوقيع الأخير، ثم إجبار الأطراف على تنفيذ كل هذا. الجميع يراقب معركة البناء، والبناء مستمر إلى اليوم، فإن استمرت المستوطنات تُبنى بدعوى تشييد ملاحق ومطابخ وغرف للأطفال وبناء عمودي وسفلتة شوارع جديدة فإن أحدا في المنطقة لن يصدق أن أوباما قادر غدا على معارك الوزن الثقيل. والإسرائيليون، وكذلك الجانب العربي، يحتاجون إلى أن يروا رئيسا جادا يعني ما يقول لا أن يقول ما لا يعني، هذه ليلة الزواج كما يقول إخواننا المصريون عليه أن يذبح قطة لتخويف العروس.