بهمن فرمان آرا من أشهر المخرجين السينمائيين في إيران وهو صديق لي. عندما قرأت العريضة التي كتبها، شعرت بأن قلبه ينفطر ألما وعينيه تتألمان دمعا. لقد صور كفنان واقع الحال في بلادنا:
«أنا إيراني أعيش في إيران وأؤمن بدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولكن، لا يشير أي نص في الدستور إلى أنه يجب عليّ أن أصدق أيضا جميع الأكاذيب الرسمية. وحتى هذا اليوم، لم أوقع على أية عريضة مع أي من زملائي أو أصدقائي، لأنني أردت أن أتحمل المسؤولية المنفردة عما أقوله وأوقع عليه. ولذلك، كتبت المذكرة التالية».
«في هذه الأيام نحن مدعوون إلى مأدبة الصمت؛ وأعتقد أنه بحضورنا لها لن نخسر فقط أصواتنا إلى الأبد، ولكن أيضا سيلحق بنا العار الأبدي بتجاهل الحادث الدموي الذي قتلت فيه ندا في شوارع طهران. وأؤمن بما قاله شكسبير في مسرحيته يوليوس قيصر: (الجبان يموت ألف مرة قبل موته، ولا يموت الشجاع سوى مرة واحدة). ومن أجل الأمل في تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية لجميع الإيرانيين أتخذ هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر».
«ليس مهما إذا لم أخرج المزيد من الأفلام. ولكن من المهم ألا أرقص على أية نغمة رسمية، لأنه في عمر 68 عاما، يكون الأمر مشرفا. لست بطلا ولا أطمح لأن أكون كذلك، ولست متأكدا من مدى تحمل جسدي الضعيف للألم في الأسر قبل أن أوقع على أي شيء يملى علي».
«وأود أن أختم هذه المذكرة بمقولة من قصيدة كتبها الشاعر الكبير سيمين بهبهاني ومن المفارقة أنها كتبت في عام 1973، قبل قيام الثورة الإسلامية بستة أعوام.
(عندما تحكم الفضة، يصبح الذهب إلها،
وعندما يمكن أن يكون الكذب هو القاضي والحكم في كل قضية،
وعندما يصبح الهواء، الذي نتنفسه، وسبب استمرار حياتنا،
غطاء على أصوات المئات..
لا يمكن أن يظل المرء صامتا).
وسأعيش على أمل اليوم الذي ترن فيه أصوات الحرية والعدالة الاجتماعية في جميع أنحاء وطننا القديم، ويمكننا أن نغني فيه ترنيمة (يا إيران!) معا، ونحن نملأ قلوبنا بالإيمان بأن أرضنا أرض مباركة».
في يوم الاثنين الماضي، أرسل آية الله جنتي خطابا إلى وزارة الداخلية وأعلن أن مجلس صيانة الدستور وافق على نتيجة الانتخابات. وبعد إعلانه، ظهر العديد من الإيرانيين في شوارع وميادين طهران والمدن الكبرى، هاتفين بأنهم لا يقبلون النتيجة. وأخرج البعض المصاحف وأبرزوها أمام رجال الشرطة وقالوا لهم نحن مسلمون أيضا، لماذا تضربوننا. كانت هناك ظلال من الشعور بالخزي تلوح في وجوه وعيون قوات الأمن.
هل يظل هذان الوجهان لإيران في الشوارع؟ يريد جانب أن يعد مأدبة للصمت ويجعل الناس تقبل أحمدي نجاد رئيسا، بينما يعتقد الجانب الآخر أنه من المستحيل القبول بأحمدي نجاد رئيسا.
من يمكنه أن يحل هذه المشكلة وكيف؟ يجب أن تعبر الانتخابات عن الرأي العام. وعندما تكون هناك فجوة كبيرة بين النتيجة والرأي العام، يتساءل الجميع ما الخطأ الذي حدث في الانتخابات الإيرانية؟
وعلى سبيل المثال، أيد العديد من الفنانين والكتاب والفلاسفة والصحافيين والمخرجين، أمثال فرمان آرا مهرجوي ومجيدي ومخملباف، موسوي. وأيد معظم طلاب الجامعات موسوي. وشارك أكثر من 84 في المائة من الإيرانيين في الانتخابات ليقولوا إن أحمدي نجاد يجب أن يغادر! والآن بعد أن بقي؛ ها هو يبتسم ويقول لذاته إن مقعدي مريح للغاية.
من الواضح أن أحمدي نجاد فقد ثقة الأمة. بل وأصبح الأطفال يقارنونه ببينوكيو.
ولا تساوي الديمقراطية شيئا بدون ثقة الشعب. ونذكر في الانتخابات الأخيرة في العراق، حصل صدام حسين على 100 في المائة من الأصوات. وكان ذلك نوعا من التمثيل، ولكن في أعماق العراقيين، كان هناك رأي آخر في نظام صدام.
وبناء على مبادئ القانون، نستوعب أن المصدر الفعلي للقانون هو إرادة الأمة. بمعنى، أن القوانين، والقانون الدستوري في المقام الأول، تشكل إرادة الأمم.
ويقول شيشرون: «لا توجد وسيلة اقتراع أفضل من التصريح العلني».
وفي القرآن الكريم، يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: «لست عليهم بمسيطر» «سورة الغاشية الآية 22». ويقول الإمام فخر الرازي في التفسير الكبير: قال صاحب «الكشاف»: «بمسيطر» بمسلط، كقوله: «يقولون وما أنت عليهم بجبار» «سورة ق الآية 45» وقوله: «أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» «سورة يونس الآية 99». وقيل: «هو في لغة تميم مفتوح الطاء لأن (سيطر) متعدّ عندهم، والمعنى أنك ما أُمرت إلا بالتذكير، فإما أن تكون مسلطا عليهم حتى تقتلهم، أو تُكرههم على الإيمان».
هذا غير معقول؛ فالقرآن يقول إنك لا يمكنك أن تدعو الناس للإسلام بالقوة. ولكن، حاليا في إيران، تقول الحكومة إن على الإيرانيين قبول أحمدي نجاد رئيسا. وتوجد قاعدة ذهبية في الصوفية الإسلامية تقول: «القسر لا يدوم».
والحل ليس في القسر. وهو لن يستمر. وستنتهي مأدبة الصمت؛ وهؤلاء الذين ما زالوا نياما ولم تستوقظهم أمواج البحر، سيوقظهم إعصار!.