بعد انتهاء العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، التي أخذت في طريقها عددا من عناصر تنظيم القاعدة، تتجه الأنظار إلى الصومال لكسر الحلقة الأخرى من الكماشة التي تطمح «القاعدة» لإطباقها على المنطقة بغية خنق مضيق باب المندب الحيوي وتهديد حركة الملاحة الدولية. ففي الأسابيع الأخيرة تزايدت المؤشرات على أن الحكومة الصومالية تعد لشن عملية عسكرية واسعة لصد حركة «الشباب» التي تؤكد الكثير من الجهات أن لديها ارتباطات وتعاونا مع تنظيم القاعدة.
وفي ظل توازن القوى الحالي فإن الحكومة الصومالية لا أمل لها في السيطرة على الأوضاع واستعادة كامل المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا حركة الشباب، إلا إذا حصلت على دعم خارجي، وهنا مربط الفرس. فقبل أيام نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» خبرا مطولا مفاده أن الولايات المتحدة تدعم خطة الحكومة الصومالية لشن هجوم واسع على حركة الشباب وعناصر «القاعدة»، وأن هذا الدعم شمل تدريب وتسليح القوات الحكومية الصومالية، وتكثيف الطلعات الجوية لطائرات الاستطلاع، مع احتمال مشاركة عناصر من القوات الخاصة الأميركية والقيام بغارات جوية عندما يبدأ الهجوم الحكومي. وعندما سئل الرئيس الصومالي الشيخ شريف أحمد عن هذا الأمر خلال مؤتمر صحافي في لندن أمس، لم ينفِ، بل رحب وقال إن أي مساندة جوية أميركية ستدعم الهجوم. وعندما سأله الصحافيون عما إذا كان يرى دورا لقوات أميركية برية رد قائلا إنه لا يستطيع الرد على ذلك.
من هنا يبدو واضحا أنه مع توجيه ضربات إلى «القاعدة» في اليمن، والحد من وجود التنظيم في العراق، إضافة إلى الهجوم على طالبان و«القاعدة» في باكستان وأفغانستان، فإن الجولة المقبلة من الحرب ضد «القاعدة» ستكون في الصومال، فهي الساحة الوحيدة المتبقية التي تتحرك فيها عناصر «القاعدة» بحرية، مستفيدة من امتداد حركة الشباب على الأرض، وانتشار الفقر والبطالة والسلاح والقات، وغياب السلطة المركزية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السعودية كانت قد حققت نجاحا كبيرا في توجيه ضربات قاصمة لتنظيم القاعدة في أراضيها، كما أن تدخلها كان عاملا حاسما في القضاء على التمرد الحوثي الذي استخدمته «القاعدة» للقيام بعمليات في اليمن ومحاولة نقل الحرب إلى الأراضي السعودية.
وتأتي الاستعدادات للعمليات في الصومال في وقت تحدثت فيه بعض التقارير عن أن بعض قادة وعناصر «القاعدة» بدأوا ينتقلون إلى هناك من باكستان بعد التضييق عليهم، ملتحقين بعناصرهم التي تسربت إلى الصومال منذ عمليتي تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998. وتقول الحكومة الصومالية إن المئات من عناصر «القاعدة» يشاركون في الحرب مع تنظيم الشباب، وإنهم يتحركون علنا، وينضم إليهم قادمون جدد من آسيا ومن أوروبا وحتى من أميركا. كما أن هناك شكوكا متزايدة في أن «القاعدة» تدعم بعض عمليات القرصنة ضد السفن بهدف تهديد حركة الملاحة الدولية وللحصول على أموال لتمويل نشاطاتها.
وليس سرا أن عناصر صومالية قاتلت في اليمن، وأن «القاعدة» دعت عناصرها علنا إلى القتال في الصومال مما يؤكد وجود تنسيق في العمليات، ويشير إلى استراتيجية «القاعدة» في محاولة التأثير على الملاحة الدولية في خليج عدن وخنق باب المندب. في مقابل ذلك تكثف أميركا من نطاق عملياتها في المنطقة، وتشارك عدة دول أخرى ضمن قوة مشتركة لمحاربة الإرهاب في القرن الأفريقي، إضافة إلى تنامي الوجود العسكري الدولي في المنطقة لمحاربة القرصنة البحرية. إلا أن التدخل الأميركي هذه المرة سيكون مختلفا عن عام 1992 عندما انتهت عملية «استعادة الأمل» التي قادتها أميركا لنقل المساعدات الإنسانية للجوعى، بشكل كارثي عام 1993 بعد إسقاط طائرتي هليكوبتر ومقتل عدد من الجنود الأميركيين والتمثيل بجثثهم في مشهد وحشي. فالظروف والأهداف تختلف اليوم، إذ إن التدخل لن يكون بقوات برية، بل بعمليات استخباراتية وجوية تدعم القوات الحكومية وبهدف واضح، مدعوم من أطراف دولية كثيرة، هو منع تحول الصومال ببيئته المحتربة والمضطربة، إلى أفغانستان جديدة.