الأمر الجيد، والبارز، الذي أظهرته النتائج الأولية للانتخابات العراقية، أن الزعامات الطائفية بدأت تضعف في العراق، مما يعني أن العراق لا يسير بسرعة مخيفة ليكون لبنان آخر، حيث تجدد الأمل مجدداً لدى المتابعين في إمكان قيام دولة حقيقية، لا دولة طوائف، أو مرجعيات، مثل لبنان، سواء سنية أو شيعية، أو خلافه.
فبغض النظر عن الموقف من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، إلا أنه قدم نفسه للناخب العراقي من خلال ائتلاف لا ينطلق من منطلق ديني، أو طائفي، والأمر نفسه، بل الأبرز، هو العودة القوية للدكتور إياد علاوي، وبأصوات السنة، والشيعة، وهو صاحب الطرح العلماني، الذي ينادي بمشروع الدولة العراقية القائمة على الوطنية وليس التبعيات الخارجية، أو الطائفية.
والمفرح في كل ذلك أن السياسي العراقي أدرك ما يريده مواطنه، بمعنى أن السياسي هذه المرة لم يصعد بالشارع، أو الرأي العام، بل إن ما حدث هو أن السياسي العراقي هو الذي صعد، أو ارتقى، ليصل إلى مستوى الناخب، أو المواطن العراقي العادي، الذي أثبت اليوم، وكذلك بالأمس، وقت انتخابات مجالس المحافظات، أنه حريص على سلطة الدولة، وقوتها، وأنه لا يشتري وهم الزعامات، أو الجماعات الدينية، كما أن هناك أمراً مهماً جداً وهو أن السيد السيستاني أعلن، ونفذ، أنه لن يتدخل لدعم جهة على حساب أخرى، في الانتخابات الأخيرة، وهذا وعي سياسي، وإدراك كبير لما يجري على الأرض في العراق، من ناحية حرص العراقيين على أن لا يكونوا أسيري الجماعات الدينية التي طغى حضورها بعد سقوط نظام صدام.
اليوم نشهد تراجع المجلس الأعلى الإسلامي، بقيادة عمار الحكيم، كما نشهد تضعضع التيار الصدري، ويكفي أن زعيمه صوَّت في الانتخابات الأخيرة من إيران، فهل يُعقل أن زعيماً لا يجرؤ على دخول بلاده، والتصويت جنباً إلى جنب مع مريديه وهم يتحدون المتفجرات وأعمال العنف ليدلوا بأصواتهم، بل أين أحمد الجلبي، بكل ما يرمز إليه اسمه؟ كل ذلك يعني أن العراق بخير، صحيح أنه ليس في أفضل حالاته، ولكنه لم ينزلق إلى أتون النظام الطائفي الصرف، ولم يبلغ مرحلة أن يكون الحاكم فيه شخصأً مثل حسن نصر الله وبسلاح غير شرعي، بل بغطاء إيراني، والفضل في ذلك يعود إلى الوعي الشعبي الذي يستحق كل تقدير، حيث فاق وعي كثير من الساسة في العراق.
صحيح أن ما سلف يظهر وكأن الصورة في العراق باتت وردية، وهذه ليست الحقيقة، فما زال الطريق طويلا أمام العراق والعراقيين، لكن ما سبق هو أمر إيجابي يستحق أن يسلط عليه الضوء، ولذا فإن قادم الأيام مهم، فإن نجحت الكتل السياسية في تشكيل حكومة تعكس هموم العراق والعراقيين فهذا يعني أننا سنشهد عودة حميدة لعراق افتقدناه، وافتقده العراقيون أنفسهم، فمخطئ من يعتقد أننا بانتظار عراق حليف على أساس طائفي، بل نحن بانتظار عراق يقوم على مصالح مواطنيه سيكون عاملا فاعلا، ومثمرا في كل قضايا المنطقة، وأهمها تدعيم العقلانية في منطقة ترهق كل حليم.