منذ بدء الخليقة والإنسان المصري بشوش الوجه.. خفيف الظل.. سريع النكتة.. حتى لو كانت على نفسه.. فهو يبدأ بالضحك على نفسه ثم على الآخرين..
وقد احتفظت لنا الآثار المصرية القديمة بأقدم صور الكاريكاتير في العالم كله.. التي تعكس خفة ظل المصري القديم وميله إلى نقد الأوضاع المحيطة به سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.. وقد استخدم الفنان المصري القديم جدران المقابر لتسجيل مشاهد كاريكاتيرية صامتة، ولكنها تعبّر أيما تعبير عما يريد واضعها نقله إلى المشاهد، مثل ذلك الراعي شديد النحافة الذي ترى عظامه من أسفل الجلد بينما يقوم برعي بقرات سمان! وذلك الحارس الذي صُوّر نائما بجوار باب المخزن الذي يحرسه، وذلك القرد الذي يهجم على صبي صغير سرق بعض الفاكهة من بائع بالسوق.
وإلى جانب هذه المشاهد المصورة على جدران المقابر كان العمال والفنانون يستغلون أوقات فراغهم في كتابة النكات وتبادل القفشات والرسوم الكاريكاتيرية، لعل أبدعها هذه القطعة التي صُوّر عليها فأر عجوز سمين منعَّم يلبس فاخر الثياب يجلس على كرسي وثير ويقوم على خدمته قط يقدم له مشروبا!
ولأن الفأر كان منعَّما فإنه يتناول مشروبه المفضل عبر مصاصة «شاليمو».. وكاريكاتير آخر يصور ذئبا يرعى قطيعا من الإوز، وآخر قطا سمينا يرعى جماعة من البط، والأخير يعكس المثل المصري المعروف «مسّكوا القط مفتاح الكرار»..
وكاريكاتير آخر يصور لنا فأرا لعله ذلك الذي صُوّر من قَبل منعَّما لكنه في هذه المرة في صورة قاضٍ يفصل بين متخاصمين، وهناك كاريكاتير شديد التعبير يصوّر قردا واقفا أسفل شجرة ممسكا بإناء بينما هناك خادم قد تَسلّق الشجرة لإلقاء الثمر للقرد. وفي هذا أسمى تعبير عن انقلاب الأحوال في المجتمع وتغير الموازين. وبالطبع فإن معظم ألوان الفكاهة والسخرية قد ظهرت في الفن والأدب المصري القديم في فترات الاضطراب. وكانت النكتة مؤثرة بدليل ما عثرنا عليه من رسالة يقول فيها الموظف إنه فقد وظيفته بعدما ضبطه رئيسه في العمل يطلق نكتة خارجة عن حدود الأدب..!
وكما ذكرنا فإن هذه الروح المرحة ظل المصريون يتوارثونها جيلا بعد جيل وأخرجت لنا عباقرة في فن الفكاهة والكاريكاتير أمثال الكاتب الكبير أحمد رجب، والفنان مصطفى حسين.. وعمنا صلاح جاهين..
ولقد حدث وأنا أغادر المؤتمر الصحافي الذي عقدته بالمتحف المصري للإعلان عن عائلة «توت عنخ آمون» وسبب وفاته أن تلقيت هذه الرسالة على هاتفي الجوال:
«ش.م. وكالات الأنباء:
في تطور سريع لردود أفعال إعلان الدكتور زاهي حواس أن تحليل الحمض النووي (دي إن إيه) أثبت أن الملك توت عنخ آمون هو ابن الملك أخناتون وأن نفرتيتي ليست أمه.. تقدم فريد الديب محامي الأسرة الثامنة عشرة ببلاغ رسمي للنائب العام المستشار عبد المجيد محمود يتهم فيه نفرتيتي بالتحريض على قتل توت عنخ آمون ويطلب إدراجها على قوائم الممنوعين من السفر.. بينما صرح المستشار مرتضى منصور وأنصاره أن موكلته حاليا بمتحف برلين للعلاج، وأن بحوزته أدلة سوف تفجر مفاجأة أمام القضاء.. وفي نفس الوقت أفاد مصدر مسؤول بأنه قد تم اعتقال تسعة عناصر من جماعة (كهنة آتون) المحظورة في أثناء اجتماع تنظيمي في بلدة تل العمارنة. ولا يزال التحقيق مستمرا...