بوفاة أنطوان شويري تكون صفحة مهمة في صناعة الإعلان قد طويت، وهي صفحة كانت مليئة بالإثارة والجدل ولا شك. أنطوان شويري الذي توفي قبل أيام كان يمثل بشكل أساسي ما يمكن أن يعرف بالحقبة اللبنانية في مهنة الإعلان، وكان هو أحد رموز مهمة مثله مثل مصطفى أسعد وأكرم مكناس ورمزي وعد وإيدي مطران وغيرهم، وهم الذين تمكنوا من تشكيل وبأسلوب حصري وجبري إعلام «البان عرب» أو الإعلام العابر للعالم العربي والذي كان يشمل بشكل رئيسي الصحف اللبنانية وبعدها الصحف اللبنانية المهاجرة، وحاولوا «فرض» تلك الرؤية على الإعلام العربي (غير اللبناني) بعد ذلك سواء أكان المطبوع أم المرئي و«سخرت» لأجل ذلك الإحصائيات والدراسات المؤيدة لتلك الرؤية مما ولد الكثير من الآراء الرافضة والمعترضة للنتائج من مصر والأردن ودول الخليج العربي التي رأت في تلك النتائج رؤية قاصرة وإنكارا واضحا للتغيرات التي حدثت في الساحة الإعلامية والتي شهدت ولادة العديد من الإصدارات والفضائيات التي لا علاقة لها بلبنان.
ومع ذلك تمكن أنطوان شويري أن «يبيع» نفس الفكرة ويستمر وحقق لعملائه نتائج جيدة وإن كان السجال مستمرا في مسألة لمن تعطى جدارة الإنجاز: هل هي لشطارة أنطوان شويري وقدرته على «البيع»؟ أم أن الوسيلة الناجحة قادرة على أن تسوق وبإمكان أي أحد أن يبيع لها الإعلان؟ أنطوان شويري لقي الكثير من الانتقادات على أسلوبه وتعرض لحملة تشكيك كبيرة في أسلوب إدارته لصنعة الإعلان، وكانت الحملة على الراحل اللبناني نفسه تصدى لها حسن صبرا في مجلة «الشراع» وحاول الكشف عن علاقات جدلية كانت تربط شويري مع مجموعات مثيرة للجدل مثل شركة «سيجرام» الكندية. ولم تغب السياسة عن حياة شويري، فاقترب من القوات اللبنانية فترة ومن الكتائب فترة أخرى ومن التيار العوني فترة أخيرة، ترأس ومول فريق الحكمة لكرة السلة في ذروة وحموة الصراع الطائفي الرمزي في دوري كرة السلة اللبناني. شويري تمكن من تحقيق إمبراطورية إعلانية لافتة وانتقل بين الفضائيات والمطبوعات بشكل «مكيافيللي» أينما كانت الغاية؛ فكل الوسائل تبرر الوصول إليها! فتعامل مع «إل بي سي» و«إم بي سي» و«روتانا» وصحف مختلفة، وبقي يقدم نتائجه معتمدا على نتائج استطلاعات كان يقدمها.
الكعكة التي كان يسيطر عليها أنطوان شويري مرشحة لأن يتم تقاسمها وبشراهة، لأن السوق تغير وقواعده تبدلت، وحتى الحصة اللبنانية فيها تقلصت مع ظهور شركات سعودية ومصرية وخليجية نالت حصصا لافتة من السوق بجدارة واستحقاق. صناعة الإعلان مقدمة على مرحلة «المؤسسة» مع انطواء مرحلة «الشخص»، وبالتالي ستكون الأمور (من الناحية النظرية على الأقل) قابلة للاستقرار والمهنية والقياس بالمعايير والإقلال من الجدليات. فترة مثيرة وجدلية انطوت من تاريخ الإعلان، انطوت بوفاة أنطوان شويري. كان رمزا وأيقونة الإعلان في وقته، وفي فترته كان الكثير من الدروس والعبر.