طالعتنا صحيفة «الجزيرة» السعودية، عدد الخميس الماضي بهذا العنوان المثير: «الأمير بدر بن عبد المحسن يفجرها مدوية في أمسية جدة: الكل يغني للتجارة ما عدا عبادي، ولم تعد تستهويني الأغنية»، فأن يصل شاعر مثل بدر بن عبد المحسن، يعتبره كثيرون عماد الكلمة الغنائية في السعودية على مدى عقود، إلى درجة من الإحباط تدفعه إلى مثل هذا البوح، فذلك يعني أن الأغنية فقدت توازناتها المطلوبة بين عالمي الفن و«البزنس»، ولم يعد بإمكان المحبين سوى القول: «سلامات أيها الغناء».
والحقيقة أن ثمة ظاهرة أصبحت واضحة للعيان تتمثل في انحسار الشعراء الغنائيين المبدعين أمثال: إبراهيم خفاجي، وثريا قابل، وبدر بن عبد المحسن، وظهور شريحة جديدة من شعراء الأغنية يطلق عليهم لقب «شعراء الأغنية الشيك»، وهؤلاء يقدمون النص المدعوم، ويشكلون قوة طاردة لشريحة الشعراء الغنائيين الذين لا يمتلكون سوى مواهبهم الشعرية.
وفي هذه اللحظة تستعيد الذاكرة زمن الغناء الجميل، يوم كان الكبيران: طلال مداح ومحمد عبده يتسابقان للظفر بهذا الشاعر أو ذاك، وكانت القيمة الشعرية وحدها هي الحافز لهذا السباق. اليوم ثمة تحولات تشهدها الساحة الفنية، تراجعت خلالها القيمة الشعرية لصالح النص المدعوم، الذي يكتبه أثرياء، ورجال أعمال، وسماسرة عقار، كنوع من الترف الممارس بين شوطي سوق الأسهم، والحمى العقارية، ولي صديق من هؤلاء عاش زمنا ربيعيا لفترة، تغنت خلالها بنصوصه بعض الأصوات، وحينما انحسر عنه الربيع انحسر معه الاعتراف بشاعريته، وغدا مثله مثل غيره يبحث - دون جدوى - عن سوق لبضاعته.
وللإنصاف أورد هنا حوارا دار بيني وبين فنان ذات يوم، حينما سألته عن سبب الارتماء في أحضان الأغنية «الشيك» فقال: «أنت تظن الغناء كما كان على زمن المرحوم محمود حلواني: عود، وطبلة، وطار، وجهاز تسجيل، الغناء اليوم: استديوهات، وفرق موسيقية، وتوزيع، وفيديو كليب، ودعاية وإعلان، وتذاكر سفر، وفنادق، فكيف يلام الفنان إن تعامل مع الأغنية (الشيك)؟».
قلت: «لو كان الأمر كذلك لتوقف المطربون في مصر ولبنان والمغرب العربي عن الغناء، فلا أعتقد أن الشعراء الغنائيين هناك يكتبون قصائدهم على أوراق «البنكنوت»، فالأمر لا يتجاوز أن يكون خصوصية من خصوصياتنا الكثيرة».
مط شفتيه ومضى، فهل يمكن أن يكون له عذر، ونحن نلوم؟!