احفظوا للفقراء كرامتهم

TT

ظاهرة غريبة تتكرر في هذه الأيام من كل عام تتمثل في لجوء بعض الأثرياء إلى إخراج زكوات أموالهم في استعراضية لا تتناسب مع العمل الخيري، ولا مع الغاية السامية للزكاة، ففيها كثير من امتهان كرامة الفقراء، وطالبي الزكاة، حينما يتم تجميعهم أمام دور الأثرياء بالمئات لساعات طويلة في مظهر لا إنساني، يفتقر إلى كل متطلبات الكرامة.

وأستغرب استمرار هذا الأسلوب في زمن الجمعيات الخيرية والمؤسسات التنظيمية التي تكفل إيصال الزكاة إلى الفقراء الأكثر استحقاقا، وبأسلوب يحافظ على كرامة المستحق، ويصون آدميته، بدلا من الوقوف أمام الأبواب، وسط زحام، لا يقدر على الصمود فيه إلا ذوو المناكب العريضة، والعضلات القوية، وهذه الشريحة هي أقل الناس استحقاقا للصدقات والزكاة.

أعرف أثرياء يمتلكون من المال أضعاف ما يمتلكه هواة تجميع الناس أمام منازلهم، يؤدون زكواتهم بطرق حضارية وإنسانية بعيدا عن امتهان كرامة الفقير، حتى لا تكاد تعرف شمالهم ما تنفق يمينهم، وما أجمل هؤلاء، وما أعظم ثوابهم.

واعتاد بعض الأثرياء في الماضي أن يكون لهم كشافون من أهل الصلاح في الأحياء الفقيرة، يزودونهم بأسماء الفقراء، وأماكن وجودهم، وجوانب احتياجاتهم، فيسعون هم نحو الفقير بدلا من اضطراره إلى السعي إليهم، فثمة فقر كريم لدى البعض يحول بين الفقراء الحقيقيين والوقوف على الأبواب.

وكثير من أثريائنا في حاجة إلى منهجية لإخراج زكواتهم لكي تصل إلى المستحقين، فعلى الرغم من يقيني بأن مجتمعنا شديد الثراء في نزعته نحو التكافل، فإن غياب المنهجية حال دون إحداث نقلة نوعية في حياة الفقراء، على الرغم من ضخامة ما ينفق كل عام، وكان يمكن لما ينفق أن يكون له أثره وتأثيره لو توفر له شيء من التنظيم؛ فالزكاة - وهي ركن مهم من أركان الإسلام - يمكن لها أن تلعب دورا محوريا في ردم الهوة بين الفقراء والأغنياء لو أن المؤدين للزكاة أحسنوا التصرف في أدائها على نحو منتج وفعال.

هي دعوة لأثريائنا في هذه الأيام المباركة بأن يستثمروا صدقاتهم وزكواتهم في عمل بنائي منظم يساعد الناس على الخروج من دوائر الفقر، وبدلا من أن نمنح الجائع سمكة، دعونا نعمل بقاعدة «فلنعطه صنارة، ونعلمه كيف يصطاد».

[email protected]